للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله من مزادة مشركة. وربط ثمامة بن أثال - وهو مشرك - بسارية من سواري المسجد. وأكل من الشاة التي أهدتها إليه يهودية من خيبر. وأكل الجبن المجلوب من بلاد النصارى (١) وأكل من خبز الشعير والإهالة لما دعاه يهودي إلى ذلك (٢). وحين استشاره المسلمون في الاستمتاع بآنية الكفار، أقرّهم عليه مع كونها مظنّة لملابستهم ومحلًا للمنفصل عن رطوبتهم ولعابهم (٣).

فهذا وغيره من الأدلة والقرائن: يعطي ما ذهب إليه جماهير السلف والخلف، من أن الكافر حكمه في الطهارة والنجاسة حكم المسلم. وأن المراد من نجس المشركين في الآية: نجاستهم المعنوية؛ لاعتقاد الباطل وعدم الحرص على الطهارات، وأنهم لا يتحرزونه من النجاسات؛ فيما يستحلونه كأكل لحم الخنزير وشرب الخمر. وقس على ذلك.

[الآدمية في المسلم والكافر]

فإذا أضفنا إلى كل ما مر، أن آدمية الإنسان سبب في تكريمه تصديقًا لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)[الإسراء]. وأن من أغراض هذه الشريعة: تحقيق المعنى الإنساني كما ينبغي في هذه الأرض، رأينا أن العدول عن رأي الجمهور: عدول إلى ما لا يلتفت إليه، وسعي وراء ما لا يتفق مع روح شريعة إنسانيةٍ حققت كرامة الإنسان.


(١) أخرج ذلك أحمد من حديث أبي سعيد الخدري (١٣٢٣٣) و (١٣٨٩٦)، وأبو داود من حديث ابن عمر. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (٨/ ١٠٣)، "نيل الأوطار" (١/ ٣١ - ٨٤) "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (١/ ٥٣).
(٢) روى أحمد (١٣٢٣٣) عن أنس (أن يهوديًا دعا النبي صلى الله عليه وآله إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه).
الإهالة: ما يؤتدَم به من الأدهان، السنخة: المتغيرة الربح. "النهاية" (١/ ٥٣).
(٣) روى الترمذي (١٥٦٠) أن رسول الله سئل عن قدور المجوس فقال: "أنقوها غسلا واطبخوا فيها" وانظر: "نيل الأوطار" (١/ ٨٤) وفي الباب عدد من الأحاديث الصحيحة وهي في مدلولاتها ترد اعتراض المعترضين وتؤيد مذهب الجمهور.

<<  <  ج: ص:  >  >>