للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما معنى التأكيد عنده: فهو (كمعنى قول القائل: أنا شهدت فلانًا ونظرت إليه بعيني هاتين، وهو يفعل أمر كذا، وقد علمنا أن النظر لا يكون إلا بالعينين، وكذلك يقول: سمعت بأذني، والسمع لا يكون منا إلا بالأذنين. ولو سكت عن ذلك لعلمنا من خبره كالذي علمنا إذا ذكر العيتين والأذنين ولا فرق) (١).

[الحجة الخامسة]

ومما ذكر ابن حزم عن الواقعية: اعتبارُهم أن مما ينفي أن تكون للعموم صيغة، حسنَ الاستثناء منه، وحسنَ الاستفهام.

أ - فلو كان العموم حقًّا، لما حسن الاستثناء منه وصرفه إلى الخصوص.

وقد رد ذلك ابن حزم واعتبره في غاية التمويه، لأن العموم صيغة ورود اللفظ الجامع الأشياء ركب ذلك اللفظ عليها؛ فإذا جاء الاستثناء كان ذلك اللفظ مع الاستثناء معًا، صيغة للخصوص، قال أبو محمد:


= تعالى بالإيمان، واجتناب الكفر في غير ما سورة، ومن ذكر الجنة والنار في غير ما سورة! لما كان ذلك مسقطًا لوجوب ما وجب من ذلك كله؛ إذ كرره ولكان ذلك واجبًا بذكره مرة واحدة، كوجوبه إذا ذكر ألف ألف مرة ولا فرق، ولكان الشك في كل خير ذكر مرة واحدة أو - تكذيبه - يوجب الكفر، كوجوب الكفر بالشك فيما كررة ألف مرة، وكوجوب الكفر بتكذيبه ولا فرق.
ويقرر أبو محمد أنه لا فرق عند أحد من الأمة بين صحة قصة يوسف وبين صحة قصة موسى مع أن قصة موسى ذكرت في مواضع كثيرة من القرآن، وقصة يوسف لم ترد إلا مرة واحدة ومن شك في ذلك فهو مشرك حلال الدم والمال.
وإذا كانت هذه نظرة ابن حزم إلى التكرار فالتأكيد كالتكرار ولا فرق، ولو لم يؤكد تعالى ما أكد، لكان واجبًا وعامًا لما يقتضيه اسمه كوجوبه بعد التأكيد ولا فرق. انظر: "الإحكام" (٣/ ١٠٥).
(١) راجع: "الإحكام" (٣/ ١٠٥ - ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>