للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إثبات الفعل مرة بعد أخرى فهو ملزوم العدد، وقد نص صاحب "المسلم" نفسه بعد ذلك أنه لا يحتمل العدد عند الحنفية، وإذا لم يحتمل العدد لم يحتمل التكرار بالطريق الأولى) ثم قرر أن الفرق بين الاتجاهين: بعد اتفاق الفريقين على أن الأمر لطلب الفعل مطلقًا: أنه عند الحنفية لا يحتمل التكرار، وعند الآخرين يحتمل التكرار (١).

[رأينا في المسألة]

ويبدو لي أنه ليس هناك ما يمنع من القول باحتمال التكرار، بعد الاتفاق على أن مدلول الأمر ليس هو المرة، وإنما هو ما يتحقق به وجود المأمور به. وإذ ذاك تكون دلالته على هذا القدر الذي يحصل بالمرة من طريق الحقيقة، ودلالته على ما وراء ذلك من طريق المجاز. فإذا توافرت القرينة: فيها ونعمت، وإلا اقتصر على مدلوله الأول، كما قلنا عند دلالة الأمر على الوجوب.

والحنفية لا يجافي قواعدَهم اعتبار أن دلالة الأمر في هذا المقام من باب الظاهر الذي يمكن تأويله بالقرينة.

ولعل ذلك هو ما دعا علماء الأصول الحنفية إلى عدم التفرقة بين الحنفية والمتكلمين في هذا المذهب (٢)، وهو أيضًا ما دعا صاحب "مسلَّم الثبوت" لأن يصرح باحتمال التكرار، إذ كون الأمر يدل على العدد مثلًا عند توافر القرينة، كأن يقول لزوجته: (أنت طالق ثلاثًا) ليس معناه القول بأن مدلول الأمر هو المرة، ويحتمل التكرار كما يقول أصحاب هذا المذهب (٣).

على أن الجصاص من متقدمي علماء الأصول الحنفية، قد صرح بما


(١) راجع: "سلم الوصول إلى نهاية السول" للشيخ محمد بخيت المطيعي (٢/ ٢٧٤ - ٢٧٥).
(٢) راجع: "التحرير" مع شرحه "التقرير والتحبير" (١/ ٣١١).
(٣) راجع: "مسلم الثبوت" (١/ ٣٨٤) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>