للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما يحتج به الواقفية، سواء منهم من يتوقف في تعيين المعنى المراد من الأمر، ومن يتوقف في تعيين الموضوع له الأمر حقيقة.

ولكن الجمهور لم تعوزهم الإجابة على هذا الاستدلال، فمن غير المسلم به أنه ليس إلا دليل النقل الذي يريدون وهو غير متوافر، بل هنالك الأدلة الاستقرائية الكثيرة - وقد رأينا قسمًا منها - التي كانت ثمرة جهود العلماء في تتبع مظان استعمال الألفاظ ودلالتها على معانيها، وفي تلك الأدلة من نصوص الكتاب والسنة: ما يجعل القول بالتوقف غير ذي موضوع (١).

على أن القائلين بالتوقف لا يعدو مذهبم - في نظرنا - الحدود النظرية للنقاش المنطقي، وهم لا يعدمون حين يتضح الخلاق الأمر على الوجوب، أن يجدوا قرينة يدَّعون أنها هي التي رجحت معنًى على آخر.

ولو رأينا توقفًا في نصوص الأحكام بعد بيان السنة واتضاح معالم الطريق: لقلنا مع ابن حزم: إن في هذا الاتجاه تجميدًا للنصوص وتعطيلًا للأحكام.

[رأينا في دلالة الأمر]

والآن، وبعد تطواف مجرد مع أدلة العلماء في دلالة الأمر، نرى أن نلقي عصا التسيار لنختار مذهب الجمهور، في أن الأمر يدل بحقيقته على


= ج - وإما أن ينقل من أهل الإجماع.
د - وإما أن يذكر بين يدي جماعة يمتنع عليهم السكوت على الباطل ولم ينكروه. وهذه الأوجه الأربعة التي هي أوجه تصحيح النقل يرى الغزالي أن دعوى شيء منها في قوله: "أمرنا بكذا" لا يمكن وما دام لا يمكن فمعنى ذلك أنا لم نستطع أن نقف من طريق النقل السليم على أن أهل اللغة قد وضعوا الأمر لمعني دون آخر على الحقيقة. وإذا كان الأمر كذلك: فليس من حقنا أن تنسب إليهم ما لم يصرحوا به، بل نتوقف عن التقول والاختراع عليهم. انظر: "المستصفى" (١/ ٤٢٧) فما بعدها.
(١) راجع: "مختصر المنتهى" (٢/ ٨١)، "طلعة الشمس" للسالمي الإباضي (٢/ ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>