للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفسر نهي الله ونهي رسوله في النصوص، في ضوء اعتبار أن التحريم هو المعنى الحقيقي للنهي، وعدم صرف هذا المعنى إلى غيره إلا بقرينة، وذلك ما نجده عند الصحابة والتابعين، فإن الآثار المروية عنهم تدل على أنهم كانوا يحتجُّون بالنهي على التحريم، إلا إذا ثبت ما يصرف عنه إلى غيره (١).

[دلالة النهي على التكرار والمبادرة]

إذا كان الخلاف قد طال مداه في دلالة الأمر على الوحدة أو الكثرة، ودلالتِه على الفور أو التراخي: فإن الاتفاق حاصل تقريبًا بين الأصوليين على أن النهي يدل على طلب الكف عن المنهي عنه باستمرار، وعلى الفور الذي هو من مستلزمات الاستمرار، وقد صححه الآمدي وابن الحاجب وغيرهما (٢). ونقل عن ابن برهان الإجماع عليه (٣).

ذلك لأن ما يدل عليه النهي من الترك الحتمي، لا يمكن أن يتحقق إلا باستغراق الأوقات كلها، خلافًا للأمر الذي يمكن أن يتحقق مدلوله بمرة.

ولكن يبدو أن هناك قلةً ذهبوا إلى أن النهي يدل على مطلق الكف من غير دلالة على الدوام والمرة، كما في الأمر، وهو عند الرازي في "المحصول" (٤).

وحجتهم في ذلك أن النهي قد يرد للتكرار، كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ [الإسراء: ٣٢] وقد يرد الخلافه كقول الطبيب للمريض: (لا تشرب اللبن ولا تأكل اللحم) والاشتراك والمجاز خلاف الأصل فيكون حقيقة في القدر المشترك.

ولكن هذا مردود بأن الأمر غير النهي من هذه الناحية. فالأمر كما أسلفنا - يمكن أن يتحقق مدلوله - وهو طلب الفعل - بمرة، بينما النهي لا يمكن


(١) راجع للشافعي في هذا "الرسالة" (ص ٣٤٣)، "الأم" (٨/ ٢٩٥ - ٢٦٧)، "اختلاف الحديث" (٢٣٨ - ٢٤١، ٢٥٤ - ٢٥٧)، وانظر: "الإحكام" لابن حزم (٣/ ١٧ - ١٨).
(٢) راجع: "الإحكام" للآمدي (٢/ ٢٨٤)، "مختصر المنتهي" مع "العضد" و"السعد" (٢/ ٩٨ - ٩٩).
(٣) انظر: "التقرير والتحبير" (١/ ٣٢٩).
(٤) راجع: "شرح المنهاج" للإسنوي (١/ ٢٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>