للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا أضيف إلى ذلك: اعتبار الشروط المخصوصة التي وضعت للأخذ بمفهوم المخالفة: لم يكن علينا - حين نأخذ به - من سبيل.

نقول هذا، ذاكرين أن العرب كثيرًا ما تستعمل (السبعين) للدلالة على الكثرة، دون نظر إلى مفهوم المخالفة، فالمراد الكثرة وكفى. لذا: لا بد من وضع ذلك في الاعتبار عند البحث في مفهوم العدد، ثم تقدير القرائن التي تحفُّ بالكلام، للوصول إلى المقصود بعد ذلك.

[من آثار الاختلاف في مفهوم العدد]

يرى المتتبع للأحكام أثرًا ملحوظًا لاختلاف نظرة العلماء إلى مفهوم العدد من حيث القولُ به واعتبارُه دليلًا على الحكم، أو عدم اعتباره، ومن النماذج التي تدل على ذلك ما يأتي:

١ - قال الله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢].

فهذا النص يدل بمنطوقه على أن حد جريمة الزنى لكل من الزانية والزاني مائة جلدة.

وإذا أخذنا بمفهومه المخالف: فإنه يدل على عدم اعتبار الحد مُقامًا، إذا لم يستوف هذا العدد.

فالقائلون بمفهوم العدد، يرون أن ورود الحد مقيّدًا في النص بمائة، يدل بمفهومه على أن الخروج من العهدة بإقامة الحد على مرتكب جناية الزنى: إنما يكون بالمائة، فإذا نقص العدد، فالحدُّ غير مقام، والعهدةُ باقية.

أما الذين لا يقولون بمفهوم العدد من العلماء: فإنهم إذ يرون الآية تدل بمنطوقها على تحقق الحد بمائة جلدة، يقررون أن عدم التحقق بأقل من هذا العدد: ليس مستفادًا من مدلول النص بمفهومه المخالف، ولكنه هو مستفاد من أدلة أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>