لقد كان للقول بأن الخاص قطعيُّ الدلالة، وأنه لا يحتمل البيان: أثر كبير في تفسير النصوص ومآخذ الأحكام.
ثم إن المتتبع لكتب الأصول عند الحنفية - مثلًا - يرى أنهم جنحوا إلى بناء بعض الفروع على قطعية الخاص، وخرّجوها عليها، وهي فروع قال بها أئمة المذهب أو بعضهم، ولكن لم يكن ذلك منهم بناء على قطعية الخاص، وإنما كان في الغالب لأدلة أخرى قامت لديهم على ما ذهبوا إليه.
وكان ما قصده هؤلاء الأصوليون ﵏ شأنهم في كثير من الفروع التي يخرّجونها على القواعد الأصولية - تقوية مسلك أولئك الأئمة فيما ذهبوا إليه في استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة، وتأكيد أن فروع الأحكام مرتبطة بما تتصل به من قواعد الأصول، وليست خلوًا من هذه القواعد التي ترد إليها، وترتبط بها ارتباط الجزئيات بالكليات. وإن كانوا قد اعتبروا تلك الفروع - في كثير من الأحيان - سبيلهم إلى ثبوت القاعدة بعد البحث والاستقراء.
وإنها لجهود بعثت في القواعد الأصولية نوعًا من الحياة، جعلتها تعيش مع الفروع الفقهية في إطار من النسب المتصل في العدد من النصوص، وإن كانت تبدو أحيانًا مع بعض الفروع وهي على غير هذه الحال.
من أمثلة ذلك ما رأينا في بعض أنواع المجمل - وهو المشترك الذي ينسد فيه باب الترجيح - والتفريق عند بعضهم في هذه الحالة بين الإثبات