للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بين ابن ملك والرهاوي]

غير أن ابن ملك لم يُرضه هذا المثال، واعتبره ضربًا من التكلف؛ وذلك لأن تناول الحكم لغير ماعز ثابت بعبارة نص آخر وهو ما روى البخاري في "صحيحه" عن عمر أنه قال: "ألا وإن الرجم حق على مَن زنى وقد أحصن"، وإذا ثبت ذلك: كان الأخذ بدلالة النص من التكلُّف.

غير أن يحيى الرهاوي أجاب في حاشيته عما أورده ابن ملك، بأن الحديث الذي جاء به موقوف وليس بمرفوع، فهو جزء من خطبة لعمر قرر فيها: "أن رسول الله قد رَجَمَ".

اللهم إلا أن يقال: إن الحديث الموقوف يؤخذ به، ويكون له حكم المرفوع في الأمور التوقيفية التي لا مجال للرأي فيها.

وعلى أية حال: فلا مانع - كما يرى الرهاوي - أن يكون مرد الحكم إلى عبارة النص من جهة، وإلى دلالة النص من جهة أخرى. والسلف لم يحصروا ثبوت الحكم في غير ماعز بطريق الدلالة، بل كان ذلك مثالًا مثَّلوا به لهذا النوع من طرق الدلالة على الأحكام (١).


(١) راجع: "المنار" مع "شرح ابن ملك" و"حاشية الرهاوي" (١/ ٥٣١) هذا: ومما أورده السرخسي لهذه الأدلة من نصوص السنّة ما روي أنه قال للمستحاضة: "إنه دم عرق انفجر فتوضئي لكل صلاة" قال شمس الأئمة بعد أن ذكر الحديث: (ثم ثبت ذلك الحكم في سائر الدماء التي تسيل من العروق فيكون ثابتًا بدلالة النص).
فهنا أيضًا يرى السرخسي : أن العلة في حكم الوضوء لكل صلاة الثابت بعبارة النص، هي أن الدم الذي سال هو دم عرق انفجر وهو دم الاستحاضة، واعتبر أن هذه العلة تدرَك باللغة، وما دام الأمر كذلك، فما ثبت في سائر الدماء التي تسيل من العروق، ثبت بدلالة النص.
راجع: "أصول السرخسي" (١/ ٢٤٢ - ٢٤٣)، وانظر مزيدًا من الأمثلة هناك وفي "كشف الأسرار" شرح النسفي لكتابه "المنار" (١/ ٢٥٥)، وانظر لحديث المستحاضة: "نصب الراية " للزيلعي (١/ ٢٠٣)، "مجمع الزوائد" للحافظ الهيثمي (١/ ٢٨٠)، "تخريج أحاديث البزدوي" لابن قطلوبغا (لوحة ٤٧) مخطوطة دار الكتب المصرية وقد حققتهُ بالاشتراك، وهو تقريبًا في طريقه إلى الطبع - إن شاء الله -.

<<  <  ج: ص:  >  >>