للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكل ناسيًا في أثناء الصوم مقام الإمساك، وإذا اعتُبر الناسي ذاكرًا حكمًا: بقيت الآية على عمومها. وإلى حِل ما تركت التسمية عليه نسيانًا ذهب علي وابن عباس (١).

أما الشافعية: فقد خصصوا الآية بالحديث، فأباحوا الأكل من قبيحة المسلم إذا ترك التسمية عليها عمدًا، جريًا على قاعدتهم في جواز تخصيص العام ابتداء بخبر الواحد، فعام الكتاب ظني الدلالة وإن كان قطعي الثبوت والظني يجوز تخصيصه بالظني.

وتأولوا الآية أيضًا بأن المقصود ما ذكر عليه غير اسم الله تعالى؛ كالذي يذبح للأوثان بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٣]، قال الرملي: (وسياق الآية دال عليه فإنه قال: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ والحالة التي يكون فيها فسقًا هي الإهلال لغير الله تعالى، قال تعالى: ﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام: ١٤٥] (٢).

ويرى بعض الحنفية من المتأخرين كالميهوي وغيره، أن الشافعية قد ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه عملًا بتخصيص العام بخبر الواحد والقياس أيضًا، إذ قاسوا تارك ذكر اسم الله عمدًا على تاركه نسيانًا، ورد الحنفية هذا القياس، بأن التارك نسيانًا غير خارج من عموم الآية، فهو ذاكر حكمًا كما مر (٣).

[دعوى الإجماع في كل من المذهبين]

هذا: وقد أيد كل من الحنفية والشافعية ما ذهبوا إليه بعد الاستدلال المذكور بدعوى الإجماع فيما اتجهوا إليه، وكل يدعيه في جانب من جوانب المسألة.


(١) راجع: "الهداية" مع "العناية ونتائج الأفكار" لقاضي زاده (٨/ ٥٤).
(٢) راجع: "المهذب" للشيرازي (١/ ٢٥١)، "تخريج الفروع على الأصول" للزنجاني بتحقيق المؤلف (ص ١٩٤)، "نهاية المحتاج" للرملي (٨/ ١١٢) مع "حاشيتي الشبراملسي والرشيدي".
(٣) راجع: "نور الأنوار شرح المنار" للميهوي (١١٣ - ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>