للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصوص المختلفة متحدًا، أما فيما نحن فيه من اختلاف السبب الذي بني عليه الحكم في هذه النصوص: فلا حاجة لاعتبار الوحدة لعدم التنافي - كما سلف -.

ولقد كان إمام الحرمين شديد الوطأة على من احتجوا بوحدة كلام الله على حمل المطلق على المقيد هاهنا، واعتبر كلامهم من الهذيان لأن كلام الله فيه الأحكام المختلفة المتباينة من نفي وإثبات وأمر وزجر … فادعاء الوحدة مع الأحكام المتغايرة: أمر غير مقبول.

قال : (إن هذا الاستدلال من فنون الهذيان، فإن قضايا الألفاظ في كتاب الله مختلفة متباينة، لبعضها حكم التعلق والاختصاص، ولبعضها حكم الاستقلال والانقطاع، فمن ادعى تنزيل جهات الخطاب على حكم واحد - مع العلم بأن كتاب الله فيه النفي والإثبات، والأمر والزجر - فقد ادعى أمرًا عظيمًا) (١).

ومما احتجوا به أيضًا: أن المطلق ساكت عن ذكر القيد، فلا يدل عليه ولا ينفيه، والسكوت عدم. أما المقيد: فهو ناطق بالقيد الذي يوجب الجواز عند وجوده، وبنفيه عند عدمه، فكان كالمفسر، فكان أولى أن يجعل أصلًا يبنى المطلق عليه، وبذلك يكون المقبل صارفًا للمطلق عن إطلاقه ومبينًا المراد منه (٢).

[أثر مفهوم المخالفة فيما نحن فيه]

وأنت ترى أن هذه الحجة قائمة على اعتبار مفهوم المخالفة، والواقع أن الاختلاف فيما نحن فيه: يرجع إلى الاختلاف في ذلك المفهوم، فقوله


(١) راجع: "البرهان" مخطوطة دار الكتب المصرية، "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (٢/ ١٧) "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص ١٥٤).
(٢) انظر: "جمع الجوامع" مع "شرحه للمحلي وحاشية البناني" (٢/ ٤٨ - ٤٩)، "منهاج البيضاوي " مع "نهاية السول" للإسنوي (٢/ ١٧٠ - ١٧١)، "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ٦٤ - ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>