للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين الحكمين، بحيث يؤدي العمل بكل منهما إلى التناقض، وهذا مأمون فيما نحن فيه من اختلاف السبب؛ فالشارع في خطابه أوجب الرقبة على إطلاقها في موضع، وأوجبها مقيدة بالإيمان في موضع، وليس في ذلك من تعارض، والعمل بكل من الحكمين ممكن بدون أي تناف (١).

أما القائلون بحمل المطلق على المقيد دون شرط في هذه الصورة: فقد اعتبروا ذلك من باب المحذوف الذي سبق إلى الفهم معناه كما في قول الشاعر:

نحن بما عندنا وأنت بما … عندك راض والرأي مختلف

أي: نحن بما عندنا راضون.

ومما احتج به هؤلاء على اعتبار المطلق محمولًا على المقيد هاهنا: أن القرآن كالكلمة الواحدة في وجوب بناء بعضه على بعض، فإذا وردت كلمة في القرآن مبينةً حكمًا من أحكامه، فلا بد أن يكون الحكم واحدًا في كل موضع تذكر فيه الكلمة، فإذا نص على الإيمان في كفارة القتل: لزم هذا الإيمان في كفارة الظهار أيضًا، كأن القيد متصل به كذلك، لئلا يكون هناك تختلف بين النصوص الواردة في حكم واحد.

ولكن يرد على هذه الحجة: أن القرآن كالكلمة الواحدة في أنها لا تتناقض، لا في كل شيء، وإلا وجب أن يتقيد كل عام ومطلق: بكل خاص ومقيد (٢).

وعلى هذا فاعتبار الوحدة في كلام الله: إنما يكون عند الحاجة إلى التفسير، وهذه الحاجة قد تكون عندما يؤدي العمل بكل من المطلق والمقيد إلى التنافي، كما إذا كان كل من الحكم والسبب الذي بني عليه في


(١) راجع: "أصول البزدوي" مع "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (٢/ ٦٠٨)، "فتح القدير" لابن الهمام (٣/ ٢٣٥).
(٢) راجع: "المنهاج" للبيضاوي مع "شرحه" للإسنوي (٢/ ١٧٠)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٢٩٦)، "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (٢/ ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>