للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظهار: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣] (١).

فإن الرقبة المطلوب تحريرها وردت في النص الأولى مقيدة بالإيمان، أما في النص الثاني: فقد وردت مطلقة من هذا القيد، والحكم في كفارة القتل الخطأ وكفارة الظهار متحد وهو تحرير الرقبة، ولكن السبب في الحكم مختلف، فهو في الأول: القتل الخطأ، وفي الثاني: إرادة المُظاهر العود إلى الاستمتاع بزوجته حيث يحنث بيمينه.

فالحنفية لا يحملون المطلق على المقيد في النصين، ويوجبون العمل بكل منهما حيث ورد؛ ففي كفارة الظهار: تجزئ الرقبة الكافرة، عملًا بالمطلق الوارد في شأنها وهو قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أما في كفارة القتل الخطأ: فلا تجزئ إلا الرقبة المؤمنة، عملًا بالمقيد الوارد في شأنها وهو قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: ٩٢] (٢).

أما القائلون بحمل المطلق على المقيد: فاعتبروا أن آية القتل الخطأ قد قيدت إطلاق آية الظهار؛ ففي كلا الكفارتين: كفارةِ القتل الخطأ وكفارةِ الظهار: لا تجزئ إلا الرقبة المؤمنة (٣).

وحجة الحنفية - كما ذكرنا سابقًا في حالة اتحاد الموضوع والحكم واختلاف السبب - أن الأصل التزام ما جاء به الشارع من دلالات ألفاظه على الأحكام، فكل نص حجة قائمة بذاتها، والتقييد بلا دليل عدول عن هذا الاعتبار، ولذلك فلا يُلجأ إلى حمل المطلق على المقيد إلا عند التنافي


(١) راجع: "أحكام القرآن" للشافعي جمع أبي بكر البيهقي (١/ ٢٣٦)، "الأم" (٧/ ٢١ - ٢٢، ٢٦٦ - ٢٦٧)، "سنن البيهقي" مع "الجوهر النقي" (٨/ ٣٨٧).
(٢) راجع: "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ٦٤ - ٦٥)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٢٩٦)، "الهداية" مع "فتح القدير" (٣/ ٢٣٤) فما بعدها، "الهداية" مع "نتائج الأفكار" (١/ ٢٥٢).
(٣) راجع: "جمع الجوامع" لابن السبكي مع "شرحه للجلال المحلي" و"حاشية البناني" (٣/ ٥٦) فما بعدها، "المهذب" للشيرازي (٢/ ١١٤ - ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>