للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما لا يعلمه إلا الله تعالى: فهو ما يجري مجرى الغيوب، كما في الآيات المتضمنة قيام الساعة، وإنزال الغيث، وعلمَ ما في الأرحام، وتفسير الروح، والحروف المقطعة. وكل متشابه في القرآن عند أهل الحق، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره، ولا طريق إلى ذلك، إلا بالتوقيف من أحد ثلاثة أوجه: نص قرآني، أو بيان من النبي ، أو إجماع الأمة على تأويله.

أما ما لا يعلمه إلا العلماء: فهو استنباط الأحكام وما يتعلق به. قال الزركشي: (وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدًا: فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعلى العلماء إعمال الشواهد والدلائل وليس لهم أن يعتمدوا مجرد رأيهم فيه) (١).

[الاجتهاد المراد في التفسير]

وبعد الذي مرّ: يجدر بنا توكيد أن ما تعنيه من الاجتهاد في التفسير، هو نوع من الاجتهاد، الذي يقوم به الباحث لتبين معنى النص، وفقه المراد منه.

ولقد يظهر ذلك بالعودة إلى ماهية الاجتهاد، ووظيفته التي يؤديها عند العلماء. فالاجتهاد في اصطلاح الأصوليين: (هو بذل الفقيه (٢) جهده


(١) انظر: "تفسير الطبري" (١/ ٧٣ - ٧٦) "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (٢/ ١٦٤) فما بعدها.
(٢) ذكر (الفقيه) في التعريف هو ما جرى عليه الأكثرون. ولم يجد السعد التفتازاني حاجة للاحتراز بقيد (الفقيه) فإنه لا يصير فقيهًا إلا بعد الاجتهاد، اللهم إلا أن يراد بالفقه التهيؤ لمعرفة الأحكام. . . ثم ظاهر كلام القوم: أنه لا يتصور فقيه غير مجتهد، ولا مجتهد غير فقيه على الإطلاق، "حاشية السعد على شرح العضد المختصر ابن الحاجب" (٢/ ٢٨٩) وقد اعتبر الكمال بن الهمام ادِّعاء التفتازاني عدم الحاجة لقيد (الفقيه) في التعريف سهوًا: لأن المذكور بذل الطاقة، لا الاجتهاد، ولا يتصور بذل الطاقة من غير الفقيه في طلب حكم شرعي.
ومال شارح التحرير ابن أمير الحاج، إلى ما ذهب إليه التفتازاني فقال في أثناء شرحه لكلام ابن الهمام مكرّرًا كلام السعد: (والظاهر من كلام الأصوليين أنه لا يتصور فقيه غير مجتهد، ولا مجتهد غير فقيه، وهو بالغ عاقل مسلم ذو ملكة يقتدر بها على استنتاج =

<<  <  ج: ص:  >  >>