للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك بوضوح عن النبي حين قال لسعد بن أبي وقاص: "الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" (١).

فمنعه من الوصية بأكثر من الثلث، فكانت السنة بيانًا لذلك المطلق الوارد في الآية، بحيث قيدته وأوضحت حدوده، فأوجبت أن تكون الوصية في حدود الثلث من مال ذلك الموصي (٢).

ثانيًا: حكم المقيد:

لئن كان من الواجب أن يؤخذ بالمطلق على إطلاقه حتى يرد ما يقيده: إن الواجب في العقيد أن يعمل به مع تقييده، ولا يصح العدول إلى الإطلاق إلا بقيام دليل يدل على ذلك (٣):

أ - ومن المقيد الذي لم يقم دليل على إطلاقه ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ﴾ فيما ورد بشأن كفارة القتل الخطأ، حيث قال تعالى: ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء: ٩٢].

ب - ومثله ما ورد في كفارة الظهار حيث قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٤].


(١) تفصيل ذلك ما روى أحمد (١٥٤٦) وأصحاب الكتب الستة عن سعد بن أبي رقاص أنه قال: جاءني رسول الله يعودني من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله إني قد بالغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا". قلت: فالشطر يا رسول الله، قال: "لا"، قلت: فالثلث، قال: "الثالث كثير أو كبير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" البخاري (١٢٩٥) ومسلم (١٦٢٨) وأبو داود (٣٨٦٤) والترمذي (٢١١٦) والنسائي (٣٦٢٦) وابن ماجه (٢٧٠٨) وانظر: "منتقى الأخبار مع نيل الأوطار" (٦/ ٤٠ - ٤١)، "نصب الراية" للزيلعي (٤/ ٤٠٠ - ٤٠١).
(٢) راجع: "المهذب" للشيرازي (١/ ٥٥٠) هذا: ولا بد للحنفية من ادعاء شهرة حديث الوصية ليقيّدَ مطلقَ القرآن لأن خبر الآحاد - كما مر - لا يخصص عموم الكتاب، ولا يقيد مطلقه عندهم.
(٣) راجع: "البرهان" للزركشي (٢/ ١٥) فما بعدها، "إرشاد الفحول" (ص ١٥٤) "أسباب اختلاف الفقهاء" لأستاذنا علي الخفيف (ص ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>