للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستأنس به لما نحن فيه فقد قال في كتابه "الأصول": (والذي يدل عليه مذهب أصحابنا: أن الأمر يقتضي الفعل مرة واحدة ويحتمل أكثر منها، إلا أن الأظهر حمله على الأقل حتى تقوم الدلالة على إرادة أكثر منه لأن الزيادة لا تقوم إلا بدلالة) (١).

وقد استند في ذلك إلى فروع الأصحاب حيث قال: (والذي يدل على ذلك من مذهب أصحابنا قولهم فيمن قال لامرأته: (طلقي نفسك) أن هذا على واحدة إلا أن يريد ثلاثة فيكون ثلاثًا. . . فهذا يقتضي أن يكون مذهبهم في الأمر إذا لم يتعلق بعدد مذكور في اللفظ أنه يتناول مرة واحدة، ويحتمل أكثر منها، إلا أنه لا يحمل على الأكثر إلا بدلالة) (٢).

[مسلك القائلين بالمرة]

كان من أهم ما استدل به أصحاب هذا المذهب: أن فعل المرة هو عنوان البراءة من عهدة الامتثال.

وما دام الامتثال يحصل بالمرة، فمعنى ذلك أن الأمر يدل عليها، فلو قال الرجل لولده مثلًا: ادخل الدار فدخلها عد ممتثلًا عرفًا.

وقد رأينا عند استدلالنا للمذهب الأول القائم على أن الأمر لمجرد الطلب: أن أصحاب هذا المذهب لا يعوزهم الرد على هذا الاستدلال؛ فمن المسلم به أن المرة تُخرج من عهدة الأمر، ولكن لا على اعتبارها جزءًا من مدلوله بحيث يدل عليها بذاته، بل على أنها لازم معناه، لأن أهل اللغة متفقون - كما أسلفنا - على أن تمام مدلول صيغة الأمر هو طلب الفعل، والمرة هي أقل ما به يمكن الخروج من عهدة الامتثال؛ فدلالة الأمر عليها حاصلة من هذه الناحية، لا من ناحية كونها مرة واحدة بخصوصها (٣).


(١) راجع: "أصول الفقه" للجصاص (١/ ق ١٠١/ أ) مخطوطة دار المكتب المصرية، وانظر: "تقويم الأدلة" للدبوسي (ص ٤٨) مخطوطة الدار أيضًا.
(٢) راجع: "أصول الفقه" للجصاص (١/ ق، ١٠١/ أ).
(٣) انظر ما سلف (٢/ ٢٣٥ - ٢٣٦) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>