الصفة في النص على تلك الفائدة، إنما هو غلبة ظن، وغلبة الظن كافية في ثبوت هذه الدلالة والعمل بها، لأنها باتفاق القائلين بها ظنية، فلا يشترط في إثباتها القطع) (١).
[استدلال النافين لمفهوم الصفة]
كان من أهم ما استدل به النافون لمفهوم الصفة مطلقًا - إلى جانب ما أوردوه على المثبتين - أن اعتبار التقييد بالصفة طريقًا يدل على نفي الحكم عن غير المتصف بتلك الصفة: له علاقة ماسة باللغة، فيجب أن يثبت بما تثبت به الأوضاع اللغوية.
والثبوت في هذا المجال، لا يكون من طريق العقل؛ إذ لا دخل للعقل في ذلك، فلا بد من النقل، والنقل لا يكفي فيه خبر الآحاد، بل لا بد من التواتر، والتواتر غير متوافر في مسألة مفهوم الصفة بالاتفاق، إذ لو كان موجودًا لما وقع الاختلاف.
ولم يعوز الجمهور أن يردوا على هذا الدليل، بأنه لا مانع يمنع من الأخذ بهذه الدلالة التي تثبت عن طريق خبر الآحاد. والمطالبة بالطريق القطعية: إلزام بسلوك المتعذر من سبل الإثبات، ولو امتنع اعتبار ثبوت مثل هذه الدلالة بطريق الآحاد، لأذى ذلك إلى تعطيل التمسُّك بأكثر اللغة التي هي لغةُ الكتاب والسنّة، ومفتاحُ الوصول إلى فهم نصوص الأحكام.
وطابع الظنية في القواعد اللغوية التي يستعان بها على استنباط الأحكام: مقرر ومعروف، لذا كان نقل علماء اللغة المعروفين بعلمهم، الموثوقين بأمانة نقلهم، هو عمدة الأئمة في إثبات الأحكام الشرعية المستندة إلى الألفاظ اللغوية، فكانوا لا يكتفون في فهم معاني الألفاظ بالآحاد كنقلهم عن
(١) راجع: "المستصفى" للغزالي (٢/ ٤٦) التجارية أولى سنة ١٣٥٦، "مختصر المنتهى" مع "شرح العضد وحاشية السعد" (٢/ ١٧٥): "التلويح على التوضيح" (١/ ١٤٣)، زكي الدين شعبان في "دلالة الكتاب والسنة على الأحكام الشرعية" (ص ٦٣).