للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرقٌ كبير بين الحالين؛ لأن الأول - وهو الهازل - يناسبه التغليظ عليه بما كان له من اختيار، بخلاف الثاني - وهو المكره - لأنه معذور فيما أقدم عليه.

وقد ردّ الحنفية بأن المكره أيضًا مختار اختيارًا كاملًا في القصد إلى السبب، إلا أنه غير راض بالحكم، لأنه عَرَفَ الشرَّين، فوازن بينهما واختار أيسرهما وأهونهما عليه، وكونه محمولًا على ما اختاره منهما: لا يؤثر في نفي الحكم، فوجب أن يقع طلاقه لذلك، كما وقع طلاق الهازل (١).

[ما نراه في الموضوع]

والذي نميل إليه هو الأخذ برأي الجمهور؛ لأنه الأرجح في نظرنا، وذلك لعدة أمور:

١ - فأصحاب الرأي الأول وهو وقوع طلاق المكره تقوم حجتهم على


(١) انظر: "الهداية" مع "فتح القدير" (٣/ ٣٩)، "تبيين الحقائق شرح الكنز" للزيلعي مع "حاشية الشلبي" (٢/ ١٩٥) وقد أيّد ابن الهمام ما قالوه من أن الحمل على هذا الاختيار لا يؤثر في نفي الحكم، بحديث حذيفة وأبيه حين حلّفهما المشركون، فقال لهما : "نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم" قال : (فبيّن أن اليمين طوعًا أو كرهًا سواء، فعلم أن لا تأثير للإكراه في نفي الحكم المتعلق بمجرد اللفظ عن اختيار، بخلاف البيع لأن حكمه يتعلق باللفظ وما يقوم مقامه مع الرضا وهو منتفٍ بالإكراه).
وهكذا أنهى صاحب "فتح القدير" رده على القول بأن قياس المكره على الهازل قياس مع الفارق برد آخر. وردّ على الحنفية بتفريقهم بين المكره في الطلاق والمكره في العقود - من بيع وشراء وإجارة وغيرها - بأن حكم البيع أو غيره من هذه العقود، يتعلق باللفظ وما يقوم مقامه مع الرضا، وهو منتفٍ بالإكراه، فما دام غير راض بالحكم فله أن يفسخ العقد، بخلاف الإكراه في الطلاق: فإن عدم الرضا غير مخل به، فيقع طلاق المكره. ولا ينعقد بيع المكره أو شراؤه أو إجارته. وهكذا يفرق الحنفية بين نوعَيّ الأسباب الناقلة للملكية، فما كان منها قابلًا للفسخ كالبيع والشراء والإجارة: لا بد فيه من الرضا، ولذلك لا يلزم بالإكراه؛ فمَن أُكره على البيع: لا يلزمه، لانعدام الرضا الذي هو شرطه. أما ما كان منها لا يقبل النسخ: كالطلاق والخلع، فلا يشترطون فيه الرضا لترتب الحكم، فمَن أُكره على الطلاق: فطلاقه واقع، ومَن أكره على الخلع: فخلعه صحيح.
انظر: "فتح القدير" لابن الهمام (٣/ ٣٩)، "التلويح على التوضيح" (٢/ ١٩٧)، "فرق الزواج" لأستاذنا الشيخ علي الخفيف (ص ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>