للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسمعه يقول: "اجلسوا"، فجلس بباب المسجد، فرآه النبي فقال له: "تعال يا عبد الله بن مسعود") (١). و (سمع عبد الله بن أبي رواحة - وهو بالطريق - رسول الله وهو يقول: "اجلسوا"، فجلس في الطريق، فمر به رسول الله فقال: "ما شأنك؟ " فقال: سمعتك تقول: "اجلسوا"، فجلست، فقال له النبي : "زادك الله طاعة") (٢).

أما توقف أبي سعيد بن المعلى - كما رأينا من قبل - أو أُبيّ بن كعب عن الاستجابة لنداء رسول الله صلوات الله عليه: فلم يكن لأنه لا يفهم الأمر للوجوب، وإنما كان لأنه لم يكن يتصور أن الإجابة مطلوبة في كل الأحوال، حتى لو كان من يناديه رسول الله واقفًا في الصلاة (٣).

[الأمر مع القرينة]

وإذا كنا تقرر اختيار أن الأمر للوجوب، فإنما ذلك عند تجرد الأمر عن القرائن الصارفة إلى معنًى آخر. فأما إن احتفت بالأمر قرينة تبين المراد من الطلب: خرجت المسألة عن موضوع الاختلاف، وحُمل الأمر على ما دلت عليه هذه القرينة.

فقد يرد الأمر في نص، وتدل القرينة على أن هذا الأمر للندب، ويرد، وتدل القرينة على أنه للإباحة أو الإرشاد، وقد نرى أمرًا في نص ثالث تدل القرينة على أنه للتهديد. . . وهكذا نستطيع أن نقرر أن الاستعمالات المجازية التي أوردناها في صدر هذا المبحث، والتي لها من اللغة وكلام العرب الأصيل: شواهد، هي معان مجازية يتحول الوجوب إليها بما يصحب الأمر من قرائن.

وفي نصوص الكتاب والسنة الكثير من الأوامر، التي دلت على غير


(١) أخرجه أبو داود في كتاب الجمعة من "السنن" (١٠٩١). وانظر: "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (٢/ ٦٤).
(٢) ذكره ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (٢/ ٦٤).
(٣) انظر ما سلف: (٣/ ٦٤) فما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>