للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موجودًا عند صدور العام الذي يراد حمله عليه وبيانُه به. ولذلك كان من الأهمية بمكان: معرفةُ معهودات العرب في أساليب كلامهم في بيئتهم التي كانت مهبط الوحي ومتنزل الشريعة.

أما إذا كان العرف طارئًا: فلا يمكن تخصيص العام به، إلا إذا كان

عامًا وأمكن رده إلى أصل من الأصول الشرعية، كالإجماع السكوتي بأن يجري العرف في عصر المجتهدين بفعل شيء أو تركه ويقرَّ منهم، وكالسنة التقريرية بحيث يجري عرف بأمر في عصر النبي فيرد إليه العرف، ونسبة التخصيص إليه تجوز (١).

[رأينا في التخصيص بالعرف]

والذي يظهر لنا أن التخصيص بالعرف - ضمن الحدود التي ذكرنا - يتلاءم كل الملاءمة مع مقصد الشارع في حرصه على فهم الشريعة التي نزلت بلسان عربي، فإذا وضعنا في الاعتبار عادات العرب الذين نزل فيهم الكتاب العربي، وراعينا عرفهم في الألفاظ والمعاني ومدلولات الخطاب: كان ذلك خير عون لفهم كتاب الله وسنة رسوله (٢).

ومن هنا قرر الشاطبي في "الموافقات": أنه (لا بد لمن أراد الخوض في علم القرآن والسنة من معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري عاداتها حالة التنزيل من عند الله والبيان من رسوله، لأن الجهل بها موقع في الإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة).

وقد أتى الشاطبي لذلك بعدة أمثلة كان منها قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] إذ (يحتمل أنه أمر بالإتمام، كما يحتمل أنه أمر بأصل الحج، فإذا علم أن العرب كانوا قبل الإسلام آخذين به، ولكن على تغير بعض الشعائر، ونقص جملة منها؛ كالوقوف بعرفة وأشباه ذلك في


(١) راجع: "المستصفى" (١/ ٣٤٨) أميرية، "إعلام الموقعين" (٣/ ٨٩)، "العرف والعادة في رأي الفقهاء" لأحمد فهمي أبو سُنّة (ص ٩٥).
(٢) "العرف والعادة في رأي الفقهاء" للشيخ أحمد فهمي أبو سُنّه (ص ٥ - ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>