مرّ بنا من خلال عرضنا لبعض مباحث الأمر عدد من الأمثلة التي وضح فيها اختلاف العلماء في بعض الأحكام، نتيجة الاختلاف في مدلول الأمر في نصٍ من كتاب أو سنة.
وذلك كالذي رأينا في أحكام كتب الدين، والإشهاد عليه، وكون الإشهاد على شكل معيَّن. تلك الأحكام الواردة في آية المداينة من سورة البقرة، حيث تعددت مذاهب العلماء في مدلول الأمر فكانت وجوبًا أو غيره.
وكالذي سلَف في حكم مكاتبة الرقيق أخذًا من الأمر في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٢٣] حيث تعددت الأقوال في حكم هذه المكاتبة من وجوب وغيره.
وكالذي رأينا أيضًا من حكم الوليمة في الزفاف أخذًا من قوله ﵊ لعبد الرحمن بن عوف:"أولِم ولو بشاة" حيث رأي الظاهرية، وقول أو وجه عند الشافعية: وجوب الوليمة، ورأي غيرهم استحبابها؛ لأن الأمر في الحديث محصول على الندب في نظرهم. وأمثال ذلك كثير وكثير، يراه المتتبع لكتب الأحكام.
ونقدم الآن يسيرًا من الأمثلة الأخرى، لعل فيها شيئًا من البيان لبعض ثمرات الاختلاف في مدلول الأمر عند التطبيق، وأنا إذ نكتفي باليسير، نأمل أن يشفع لهذا الاكتفاء: كون اليسير دليلًا على ما وراءه من الكثير.
أ - من ذلك ما يرى الباحث في أحكام الحوالة، مما يدور حول مدلول الأمر في قوله ﵊ فيما رواه أبو هريرة ﵁:"مطل الغني ظلم، فإذا أُتبع أحدكم على مليء فليُتبَع"(١).
(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (٨٤)، وأحمد (٥٣٩٥)، والبخاري (٢٢٨٧) بألفاظ مختلفة هذا أحدها، ومسلم (١٥٦٤)، وأبو داود (٢٣٤٥)، والنسائي (٤٦٩١)، والترمذي (١٣٠٨)، وابن ماجه (٢٤٠٣)، والبزار، ولفظ "الموطأ" ورواية البخاري =