للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على حكم الأصل، ولا يجوز العدول عن الأصل إلا بدليل، ولما لم يجدا الدليل الذي يدل على العدول تعجبًا.

فإذا كان هذا الاحتمال واقعًا، لم يتعين أن يكونا قد فهما من تعليق الحكم بالشرط، الدلالة على نفي القصر عند انتفاء الخوف (١).

وكان من الممكن، في رأينا، أن يسلم لنفاة المفهوم هذا الإيراد، لولا أن مجرى الواقعة لا يساعد عليه، خصوصًا إذا اعتمدنا أن الأصل في الصلاة - كما يقول الحنفية - ليس الإتمام حتى يكون هو مبعثَ التعجب، وإنما الأصل في الصلاة القصر، بدليل ما روي عن عائشة قالت: "فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر" (٢) فلم يبقَ للتعجب وجه سوى اشتراط الخوف، وعدم القصر عند عدمه (٣).

[من استدلال النافين لمفهوم الشرط]

كان من أهم ما استدل به نفاة مفهوم الشرط، بجانب اعتراضهم على دليل المثبتين: وجود بعض النصوص التي يذكر فيها الشرط، ولا تدل على انتفاء الحكم الذي علق على الشرط، عند انتفاء ذلك الشرط (٤).

من ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ [النور: ٣٣].

ففي هذا النص: علق النهي عن إكراه الفتيات على البغاء، بإرادتهن


(١) راجع: "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ١٢٦).
(٢) رواه البخاري (٣٥٠)، ومسلم (١٥٦٨)، وأبو داود (١١٩٨)، والنسائي (٤٥٤)، واللفظ للبخاري.
(٣) راجع: "الإحكام" للآمدي (٣/ ١٢٩)، "البحر المحيط" للزركشي ح ٢ مخطوط، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ١٢٦)، "منهاج الوصول" في أصول الزيدية (ق ٤٦)، "مختصر المنتهى" لابن الحاجب مع "شرحه للعضد وحاشية السعد" (٢/ ١٧٦).
(٤) راجع ما استدل به الغزالي في "المستصفى" (٢/ ٤٦) طبع مصطفى محمد أولى، والآمدي في "الإحكام" (٣/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>