للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحصُّن، ولو ثبت مفهوم الشرط: لثبت جواز الإكراه عند عدم إرادة التحصُّن، مع أن الإكراه على الزنى غير جائز بحال من الأحوال إجماعًا وهو من المسلمات في الشريعة الإسلامية، فنحن أمام نص علّق الحكم على شرط، ولم ينتفِ بانعدام ذلك الشرط (١).

وما أحسب الأمر بحاجة إلى مزيد من الحديث عما يرد على هذا الاستدلال: فقد كان مما عرضناه في شروط الأخذ بمفهوم المخالفة عند الجمهور ألّا يكون له فائدة أخرى؛ كالتأكيد والتقرير، والامتنان أو الترغيب والترهيب، أو التنفير والتشنيع، أو أن يكون قد خرج مخرج الأغلب.

وفي النص الذي يدور حوله الكلام كان المراد من التعليق بالشرط: التنفير مما كان عليه أهل الجاهلية وفعله عبد الله بن أبي رأسُ المنافقين، أو أنه خرج مخرج الأغلب إذ إن الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصُّن منه، أما عند الرغبة في الزنى: فلا يتصور إكراه عليه، وذلك قول ابن العربي: (إنما ذكر الله تعالى إرادة التحصُّن من المرأة لأن ذلك هو الذي يصور الإكراه، فأما إذا كانت هي راغبة في الزنى: لم يتصور إكراه) (٢).

ومعلوم أن في مثل هذه الحال: ينتفي القول بالمفهوم عند الجمهور (٣).

وهكذا يتبدَّى لنا أن اتجاه المثبتين لمفهوم الشرط: اتجاه لا يعوزه سند


(١) راجع: "مختصر المنتهى" لابن الحاجب مع "العضد وحاشية السعد" (٢/ ١٨١).
(٢) راجع: "أحكام القرآن" لابن العربي (٣/ ١٣٧٤).
(٣) وقال عضد الدين الإيجي جوابًا على مَن يأخذ بالمفهوم بالآية: (وقد يجاب عنه، يعني المفهوم، بأنه يدل على عدم الحرمة عند عدم الإرادة وأنه ثابت إذ لا يمكن الإكراه حينئذ، لأنهن إذا لم يردن التحصن لم يَكرهن البغاء، والإكراه إنما هو إلزام فعل مكروه، وإذا لم يمكن: لم يتعلق به التحريم، لأن شرط التكليف الإمكان، ولا يلزم من عدم التحريم الإباحة) "العضد وحاشية السعد": (٢/ ١٨١). على أنا قد أشرنا فيما سلف إلى أن ابن العربي قد اعتبر من الغفلة القول في الآية بمفهوم المخالفة حيث يقول: (ولا يجوز الإكراه بحال، فتعلق بعض الغافلين بشيء من دليل الخطاب في هذه الآية، وذكروه في كتب الأصول لغفلتهم عن الحقائق في بعض المعاني. وهذا مما لا يحتاج إليه، وإنما ذكر الله إرادة التحصُّن من المرأة، لأن ذلك هو الذي يصور الإكراه، فأما إذا كانت هي راغبة في الزنى: لم يتصور إكراه) "أحكام القرآن" (٣/ ١٣٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>