ويبلغ أبو محمد المدى في عدم الالتفات إلى ما عند الآخرين، فيحاول - في استدلاله على أن تحريم الضرب والشتم لم يكن من النهي عن قول (أُفٍّ) - أن يقدم ذلك على شكل واقعة قضائية تبدو متفَقًا على نتيجتها في الحكم فيقول:(ومن البرهان الضروري على أن نهي الله تعالى عن أن يقول المرء لوالديه: (أُفٍّ) ليس نهيًا عن الضرب ولا عن القتل، ولا عما عدا الأُف -: أن من حدّث عن إنسان قتل آخر أو ضربه حتى كسر أضلاعه، وقذفه بالحديد وبصق في وجهه فشهد عليه من شهد ذلك كله، فقال الشاهد: إن زيدًا - يعني القاتل أو القاذف أو الضارب - قال لعمرو (أُفٍّ) يعني المقتول أو المضروب أو المقذوف -: لكان بإجماع منا ومنهم - يعني الجمهور - كاذبًا آفكًا شاهد زور مفتريًا مردود الشهادة).
وكان طبيعيًا أن ينتهي ﵀ من هذا العرض إلى القول:(فكيف يريد هؤلاء القوم منا أن نحكم بما يقرُّون أنه كذب؟ فكيف يستجيزون أن ينسبوا إلى الله تعالى الحكم بما يشهدون أنه كذب؟ ونحن نعوذ بالله العظيم من أن نقول: إن نهي الله ﷿ عن قول (أُفٍّ) للوالدين يفهم منه النهي عن الضرب لهما أو القتل أو القذف) (١).
ولقد قال مثل ذلك أو قريبًا منه في جميع النصوص التي أوردها في مدَّعى الجمهور، وكان يتخلل حديثه ما أعرضنا عن ذكره من الكلام الذي يعرفه كل من قرأ كتب الإمام ابن حزم وعرف طريقته في الرد على الآخرين.
[موقفنا من مسلك ابن حزم]
١ - قد لا يكون من مقتضيات بحثنا أن نخوض مع الإمام ابن حزم في الاحتجاج للقياس الذي يردُّه ولا يقول به، ولكن جزمه باعتبار مفهوم الموافقة من القياس، ومناقشة نصوص الجمهور من هذه الزاوية: يوجب علينا أن نشير إلى نقطتين لا بد من الإشارة إليهما.