للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُخر، أو إجماع متيقن، أو ضرورة المشاهدة بالحواس والعقل فقط.

ولذلك قال بعد أن حدّد معالم الاتجاه: (فإن لم نجد نصًا ولا إجماعًا ولا ضرورة اقتصرنا على ما جاء به النص ووقفنا حيث وقف ولا مزيد) (١).

ومن هذا المنطلق الذي يرى ابن حزم سلامته، قرّر في آية التأفيف أنه لو لم يرد غير لفظة (أُفٍّ) لما كان فيها تحريم ضربهما، ولا قتلهما، ولما كان فيها إلا تحريم قول (أُفٍّ) ولكن لما قال الله تعالى في الآية نفسها: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)[الإسراء] اقتضت هذه الألفاظ الإحسان، والقول الكريم، وخفض الجناح، والذل والرحمة لهما، والمنع من انتهارهما، وأوجبت أن يؤتى إليهما كل بر وكل خير، وكل رفق.

فبهذه الألفاظ والأحاديث الواردة، وجب بِرُّ الوالدين بكل وجه وبكل معنى، والمنع من كل ضرر وعقوق بأي وجه كان، لا بالنهي عن قول: (أُفٍّ).

قال ابن حزم: وبالألفاظ التي ذكرنا وجب ضرورة أن مَن سبّهما أو تبرّم عليهما أو منعهما رِفْدَهُ في أي شيء كان من غير الحرام فلم يحسن إليهما، ولا خفض لهما جناح الذل من الرحمة).

وأراد أبو محمد أن يؤكد المعنى الذي ألحّ عليه - وهو أن حكم السب والإيذاء وما شاكل ذلك إنما جاء من الأمر بالإحسان وما إليه - فقرر أن النهي عن قول (أُفٍّ) لو كان مغنيًا عما سواه من وجوه الأذى: لما كان لذكر الله تعالى في الآية نفسها، مع النهي عن قول: (أُفٍّ)، القولَ عن النَّهرْ، والأمر بالإحسان وخفض الجناح والذل لهما معنى، فلما لم يقتصر تعالى على ذكر الأف وحدَه، بطل قول من ادعى أن بذكر الأف علم ما عداه، وصح ضرورة أن لكل لفظة من الآية معنى غير سائر الفاظها (٢).


(١) راجع: "الإحكام في أصول الأحكام" (٧/ ٦١).
(٢) راجع: "الإحكام في أصول الأحكام" (٧/ ٥٧ - ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>