للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نقد إمام الحرمين لتعريف الباقلاني وموقفنا من ذلك]

وقد نقد إمام الحرمين (١) تعريف الباقلاني، نقدًا يقوم على أن هذا التعريف لا يشمل كثيرًا من المجازات الشائعة، والألفاظ الشرعية؛ كالصلاة، والصوم، والحج، التي نقلت من المعنى اللغوي إلى المعنى الشرعي، فأصبح هذا المعنى الشرعي هو الظاهر، واللغوي هو المؤول.

وقد قرّر الجويني، أن الذي ذكره القاضي، صحيحٌ في بعض الظواهر، ولكن تبقى من الظواهر أقسام، لا تحويها العبارة؛ فإنه ذكر تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز، وجعل وجه الظهور: الجريان على الحقيقة، ووجه التأويل: الجريانَ على المجاز.

فيخرج مما ذكره، المجازات الشائعة المستفيضة في الناس، المنتهية في جريانها حائدة عن الحقيقة، إلى منتهًى لا يفهم منه حقيقة موضوعة.

وكذلك الألفاظ الشرعية؛ تلك الألفاظ التي وضع لها الشرع معاني معينة، وكان لها في اللغة معان أخرى؛ كالصلاة وغيرها؛ فحقيقتها في ألفاظ الشرع من أبعد التأويلات، إذا طلب الطالب الحمل عليها (٢).

وكلام إمام الحرمين - في رأينا - محل نظر؛ لأن القاضي الباقلاني لم يذكر أنه يريد الحقيقة اللغوية، وإنما يريد الحقيقة: وهي تشمل الحقيقة اللغوية، والشرعية، والعرفية؛ ومن الشرعية: الصلاة، ومن العرفية: الدابة مثلًا. وإن كنا لا نرى داعيًا لهذا التضييق الذي جنح إليه الباقلاني في التعبير.


(١) راجع: "البرهان" (لوحة ١١١) فما بعدها.
(٢) قال إمام الحرمين: (كالدابة فإنها من دبّ يدبّ قطعًا، وهي على بناء فاعل يترتب على قياس مضطرد في الفعل المتصرف وحملها على الدبيب المحض حيد عن الظاهر، فإنها مختصة بأشياء تدب فهذا في ظاهره جهة المجاز، وتأويله جهة الحقيقة). انظر: "البرهان" (لوحة ١١١) فما بعدها، وفي المطبوع (١/ ٤١٦ - ٤١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>