للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقتضى ليصبح الكلام مفيدًا، ولا دلالة على إثبات ما وراءه، بل يبقى عدمه الأصلي بمنزلة المسكوت عنه (١).

[موقف الغزالي]

والغزالي من المتكلمين - وقد جنح إلى أن المقتضى لا عموم له - استدل لما ذهب إليه؛ بأن العموم للألفاظ، لا للمعاني، فتضمُّنها من ضرورة الألفاظ وبيّن ذلك بقوله : "لا صيام لمَن لم يبيّت الصيام" (٢) فإن ظاهره ينفي صورة الصوم حسًا، لكن وجب رده إلى نفي الحكم وهو نفي الإجزاء والكمال (٣).

هذا: ومن الأمثلة التي ترد في الموضوع قوله : "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" فوضْعُ الخطأ والنسيان وما استكرهت الأمة عليه - أي رفعه - محال بعد الوقوع، فيصير كذبًا، لو أريد عين ما نصّ عليه الحديث، وهذا لا يجوز على النبي ، فقدّر ضرورة صدق الكلام لفظُ (حكمَ) وهو عام في أصل الوضع يشمل الحكم الدنيوي من حيث الصحة شرعًا، كما يشمل الحكم الأخروي وهو المؤاخذة بالعقاب.

فالذين أخذوا بالعموم: يُبقون هذه الزيادة المقدّرة على عمومها ويقولون: إن المتبادر من نص الحديث نفيُ الحقيقة وهي عين الخطأ والنسيان وما استكرهت عليه الأمة. ولما كان ذلك متعذرًا وجب حمل الكلام على أقرب مجاز ملائم، وهو نفي جميع الآثار، دنيويةً كانت أو


(١) راجع: "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ١٣٧) وانظر: "أصول السرخسي" (١/ ٢٥٠).
(٢) انظر ما سبق (ص ١٨٣) وانظر: "معالم السنن" للخطابي (٢/ ١٣٣)، "شرح معاني الآثار" للطحاوي (١/ ٣٢٥)، "السنن الكبرى" للبيهقي (٤/ ٢٠٢)، "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٤/ ٢٠٧) "المحلى" (٦/ ١٦١).
(٣) راجع: "المستصفى" (٢/ ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>