كان فيما رأيناه من الحديث عن المذاهب فيما وضعت له صيغ العموم: أن الجمهور من المتكلمين والحنفية - وهم أرباب العموم - متفقون على أن العام موضوع لاستغراق ما يصدق عليه من الأفراد، ولذا فهو يوجب الحكم في جميع هذه الأفراد الداخلة تحته، وذلك كقوله تعالى: ﴿أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١)﴾ [البقرة، و. . .] وقوله سبحانه: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: ٦].
ونريد أن نبين الآن: أن العام كثيرًا ما يرد الدليل الدال على صرفه عن العموم، وإرادة بعض الأفراد التي يشملها، وذلك هو التخصيص؛ مثل قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] حيث قصر العقل الوجوب الوارد في النص على المكلفين دون غيرهم، مع أن لفظ ﴿النَّاسِ﴾ عام يشمل المكلفين وغيرهم كالصبيان والمجانين، ونظائر ذلك في الكتاب والسنة كثيرة (١).
فالتخصيص: هو (صرف العام عن عمومه وإرادة بعض ما ينطوي تحته من أفراد) وسنعرض الأهم الجوانب التي تتعلق به من حيث تفسيرُ النصوص فيما يلي:
(١) مثل تخصيص الحديث الصحيح: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا" لعموم قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨] فإن هذا يقتضي عموم القطع، فخص بالحديث ما دون ربع دينار فلا قطع به. وانظر: "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٧/ ١٣١).