للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكم قطعًا: (والمراد هاهنا المعنى الأعم وهو أن لا يكون له احتمال ناشئ عن دليل، لا أن لا يكون له احتمال أصلًا) (١).

ولقد يرد على هذا أن الاحتمال قادح في اليقين، فلا قطع مع الاحتمال، لذا قالوا: إن الخاص يوجب اليقين ما دام الاحتمال قائمًا:

ولكن هذا الإيراد دُفع - كما مر - بأن الاحتمال لما لم يقم عليه دليل: ألحق بالعلم، فلا يمتنع القطع به. فالخاص يحتمل أن يكون المراد به معنًى آخر غير معناه الذي وضع له، ولكن لما لم يقم دليل على أنه المراد: صار المعنى الموضوع له مقطوعًا به (٢)، ولهذا فالخاص عند الحنفية لا يحتمل البيان.

[علم الطمأنينة وعلم اليقين]

هذا ومن الجدير بالذكر أن القطع بالمعنى العام، وهو عدم الاحتمال الناشئ عن دليل، يسمى عند العلماء "علم الطمأنينة"، كالعلم المستفاد من الظاهر، والنص، والخاص، والعام، والحديث المشهور عند الحقية.

أما القطع بالمعنى الخاص، وهو عدم الاحتمال مطلقًا سواء أكان ناشئًا عن دليل، أم غير ناشئ عن دليل، فيسميه العلماء "علم اليقين". وذلك كالسلم المستفاد من المتواتر والمفسَّر والمحكم، والنص عند الشافعية كما تقدم. فالخاص - وهو مما يوجب علم الطمأنينة - يمكن أن يتحول إلى معنى آخر بطريق المجاز، إذا قام الدليل المناسب، وإن كان لا يحتمل البيان من ذاته فيما وضع له (٣).

وهكذا إذا قام الدليل الذي لا ينزل عن درجة الخاص في القوة، يمكن به تأويل ذلك الخاص عن معناه إلى معنى آخر من المعاني التي يحتملها.


(١) "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ٣٥).
(٢) راجع: "كشف الأسرار" (١/ ٧٩)، وانظر: "أصول السرخسي" (١/ ١٢٨).
(٣) راجع: "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>