أنهم - كما أسلفنا - كانوا يستعملون التأويل في ضوء معناه اللغوي؛ فإما تفسير وكشف لمعنى اللفظ، أو حمله على معنًى من معاني يحتملها، مصحوبًا ذلك بالمحترزات التي أشير إليها في كلام الشافعيّ وابن جرير الطبري. وكلا الطريقين: ذو نسب إلى المعنى الأول الذي هو الكشف والتفسير، والرجوع والمصير، على ما ذكره الأولون في إيضاح معنى التأويل واشتقاقه في اللغة، ومن أين كان نسب الاشتقاق.
* * *
[المطلب الثاني التأويل في الاصطلاح]
وبعد الذي عرضنا من مفهوم التأويل في اللغة، واستعمالِ السلف والعلماء الأولين من بعدهم، يحسن أن نقرر أنه: في أعقاب دخول أصول الفقه في طور القواعد المحدَّدة بعد رسالة الإمام الشافعي التي رسمت معالم الأصول، أصبح للتأويل عند الأصوليين معنًى هو أكثر تحديدًا من ذي قبل، وإن كان بينه وبين المعنى الأول صلة قربى. فلقد أخذ التأويل في الاصطلاح عند الأصوليين معنًى يتسق مع وجهتهم في استنباط الأحكام والانصراف عن معنًى إلى معنًى آخر عندما يتوافر الدليل على ذلك؛ فكان عمدة ما قالوه في هذا: أن التأويل: (صرفُ اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنًى مرجوح يحتمله، لدليل دلّ على ذلك) وهذا الصرف لا يقوم على القطع، بل يسير في ساحة الظن؛ ولذلك فرّقوا بينه وبين التفسير في الاصطلاح: بأن التفسير تبيين المراد من الكلام على سبيل القطع. أما التأويل: فإنه تبيين المراد من الكلام على سبيل الظن، ولهذا يحرم التفسير بالرأي: دون التأويل (١).
(١) راجع: "التلويح" مع "التوضيح" (١/ ١٢٥). وانظر للتفسير بالرأي: "مقدمة تفسير الطبري" (١/ ٧٧ - ٨٠).