للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقيس عليه، لأنه لا يتسنى إدراك العلة المشتركة بين الواقعة المنصوص عليها، وبين الواقعة الجديدة المراد إعطاؤها الحكم من جديد، ومعرفة توفر الشروط لكل ركن من أركان القياس: إلا بفهم النص فهمًا صحيحًا، وإدراكِ مرامي ألفاظه ومعرفة حدود العلة التي على أساسها قام الحكم، ومن أجلها كان التوجيه إليه.

ولن يكون الباحث قائسًا سليم القياس إلا بذلك. وتلك حقيقة كشف عنها الإمام محمد بن إدريس الشافعي وأوضحها أيما إيضاح (١). وهكذا نقف لنرى الحاجة للاجتهاد، بالمعنى الذي أردناه، قائمة ومطلوبة في كلتا الحالين.

[مجال الاجتهاد في التفسير]

أشرنا فيما سبق إلى أن ما نعنيه بالنصوص: هو نصوص الأحكام في الكتاب والسنّة، ذلك أن إليهما مرد سائر الأدلة الأخرى، فهما منبعها الأصيل وموردها الذي تستقي منه.

غير أن هذه النصوص لا تتسم كلها بطابع القطعية. صحيح أن نصوص الكتاب قطعية الثبوت؛ ولكن منها ما هو ظني الدلالة في كثير من الأحيان. وما صحّ من نصوص السنّة فهو قطعي الثبوت في حالة التواتر، والمتواتر


(١) بعد أن ذكر الشافعي ما يجب توافره في القائس - من المعرفة بالكتاب والسنّة، والصحة في العقل، والقدرة على التفريق بين المشتبه، والأناة في القول، وبلوغ غاية الجهد في ذلك مع الإنصاف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك -: قال: (فأما مَن تمّ عقله ولم يكن عالمًا بما وصفنا فلا يحل له أن يقول بقياس، وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بِسَوْقه. ومن كان عالمًا بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة: فليس له أن يقول أيضًا بقياس لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني.
وكذلك لو كان حافظًا مقصر العقل، أو مقصرًا عن علم لسان العرب: لم يكن له أن يقيس من قبل نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس). "الرسالة" بتحقيق أحمد محمد شاكر (ص ٥٠٩ - ٥١١)، وانظر: "اختلاف الحديث" (ص ٤٨ - ٤٩) بهامش الجزء السابع من "الأم" للشافعي أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>