للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن المقتضَى أثار عند علمائنا بحثَ صلاحيته للعموم، فهل يعمُّ أو لا يعم؟ وانبنى على ذلك اختلاف في كثير من الفروع، كانت أثرًا من آثار اختلافهم في مسالك الاستنباط التي قام عليها الاجتهاد في تفسير النص، وبيان دلالته على المعنى المراد.

ولقد يدل اللفظ على حكم للمسكوت، لاشتراكه مع المنطوق بعلة تدرك بمجرد معرفة اللغة، وقد اجتهد العلماء في الحكم على نوع هذه الدلالة، أهي دلالة لفظية أم قياسية؟ وترتب على ذلك آثار يأتي بحثها في الدلالات، نرى من خلالها ارتباط الفروع بقواعد الأصول (١).

وهكذا نرى في تشعُّب دلالة اللفظ على المعنى، وتنوُّع وجود هذه الدلالة: أن الحاجة ماسة للاجتهاد في التفسير؛ فالحكم - كما أسلفنا - لا يؤخذ من العبارة فحسب، بل قد يكون مدلول الإشارة أو الاقتضاء، أو الدلالة. وبصورة عامة - كما يرى الأكثرون -: إن اللفظ يدل بمنطوقه ومفهومه (٢). كما سيأتي تفصيل ذلك في حينه.

ولعل ما ذكرناه في تطوافنا حول الاجتهاد في بيان النصوص، يلقي ضوءًا جديدًا على ما دعا إليه ابن المبارك من الاعتماد على الأثر، وأن يستخدم الرأي في تفسير النصوص، وذلك قوله - كما سبق -: "ليكن الذي تعتمد عليه هذا الأثر وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث".

والآن: إذا كان ما قدمناه شأن الاجتهاد في حالة وجود النص، وذلك بفهمه والكشف عن معانيه، إن أمرًا على جانب عظيم من الأهمية يجب أن يضاف إلى ما ذكر؛ وهو: أن القياس في حقيقته لا بد له من تفهُّم النص


(١) انظر ما يأتي: في مبحث "دلالات الألفاظ على الأحكام" عند الحنفية والمتكلمين.
(٢) والمفهوم قد يكون مفهوم موافقة، وهو ما يدعوه الحنفية "دلالة النص" وقد يكون مفهوم مخالفة، بحيث يدل اللفظ على حكم للمسكوت نقيض حكم المنطوق. وهذا المفهوم لم يقل به الحنفية في نصوص الكتاب والسنّة وقال به الشافعية وآخرون - كما سيأتي - ضمن حدود معينة. واستدعى ذلك منهم اجتهادًا في معرفة صلاحية النص لأن يؤخذ بمفهومه المخالف، وتحديد مجال هذا المفهوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>