ضمن قواعد الشريعة، أثر كبير في تيسير سبل الدلالة على المعنى المراد، في مثل هذه الأحوال.
ولقد يكون الخاص صيغةً من صيغ التكليف، بحيث يدل على الأمر أو النهي. والمجتهد في إدراكه لماهية صيغ التكليف والبحث عن القرائن المرجحة، يهديه اجتهاده إلى معرفة ما إذا كان الأمر باقيًا على وجوبه، أم عرض له ما جعله للندب، أو الإباحة، أو غيرهما، وما إذا كان النهي باقيًا للتحريم، أم عرض له كذلك ما صرفه إلى غيره.
كما أن الاجتهاد طريق المستنبط لإدراك أثر النهي في المنهي عنه. كل ذلك في ضوء القواعد التي وضعها العلماء للتفسير، وفي ظل مقاصد الشريعة ومبادئها العامة (١).
وهكذا تبدو الحاجة للاجتهاد، في حالة وضع اللفظ للمعنى في شتى أحواله، كما بدت في حالة غموض اللفظ، أو في حالة ظهوره عندما يكون في حيز الاحتمال.
ج - حتى إذا انتقلنا إلى دلالة الألفاظ على المعاني؛ رأينا أن الدلالة لا تكون دائمًا في حيِّز العبارة - كما أسلفنا - بحيث لا تحتاج إلى اجتهاد في إدراكها، وإنما قد تكون هذه الدلالة بإشارة النص، وفي الدلالة بالإشارة نوع خفاء لا يدرك إلا بالبحث والتأمُّل، وقد كان لعلمائنا - كما سيأتي - فسحة في ميدان الاستنباط من طريق هذه الدلالة، حتى رأينا من آثارهم كثيرًا من الأحكام التي كان مأخذها إشارة النص.
وليس ذلك فحسب؛ فإن النص بدل بمقتضاه أيضًا، بحيث تتوقف في بعض الحالات صحة الكلام العقلية أو الشرعية، أو صدقه على مقتضَى لا بد من تقديره في ضوء الاجتهاد والبحث.
وتلك دلالة، دعاها علماؤنا: دلالة الاقتضاء، وما أحسب الحاجة إلى الاجتهاد في مثل هذه الحال، موضع تردد أو شك.
(١) راجع فيما يأتي: "مباحث المطلق والمقيد، والأمر والنهي".