للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٢٦)[الأحقاف: ٢٦] (١).

وتساءل عن قوله تعالى في هذه الآية بأن سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم لم تغن عنهم شيئًا أهو على عمومه؟ أم يقولون: إنها أغنت عنهم شيئًا؟ (فإن قلتم ذلك، كذبتم ربكم، وإن لم تقولوا، تركتم مذهبكم الفاسد).

على أن المتتبع لآي القرآن الكريم التي ترد فيها هذه الألفاظ يرى أن الأصل هو العموم، وما أريد به الخصوص فإنما كان لدليل قام، وعلى ذلك يقول ابن حزم في أعقاب مناقشته لهم بآية السمع والأبصار والأفئدة: (ومثل هذا في القرآن كثير جدًّا، بل هو الذي لا يوجد غيره أصلًا في شيء من القرآن والكلام، إلا في مواضع بسيرة قد قام الدليل على خصوصها، ولولا قيام الدليل علي خصوصها لم يحل لأحد أن يحملها إلا على العموم، وبالله التوفيق) (٢).

[الحجة الثانية]

ومن حججهم - كما يقول أبو محمد - أنهم قالوا: (لم نجد قط خطابًا إلا خاصًّا، لا عامًا فصح أن كل خطاب فإنما قصد به من بلغه ذلك الخطاب من العاقلين البالغين خاصة دون غيرهم).

ورد ابن حزم عليهم يقوله تعالى: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩، … ] فإن هذا لا يمكن أن يحمل على الخاص، وإلا كان الزيغ والخروج على ما جاء في الكتاب.

أما الاحتجاج بتوجيه الخطاب إلى البالغين العاقلين العالمين بالأمر دون غيرهم: فإنما ذلك بنص وارد فيهم، إذ إن الشرع حدد مناط التكليف؛ فحيث كان الخطاب: فالمقصود به من حدَّده الشارع، فهو عموم لهؤلاء كلهم. ولم يقل أحد بأن العموم معناه أن يقصد بالخطاب العام، كل موجود


(١) "الإحكام" لابن حزم (٣/ ١٠٣) وانظر: شرح المصنف على "المنار" (١/ ١١٥).
(٢) "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم (٣/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>