للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في العالم، وإنما المقصود من اقتضاه اللفظ الوارد، وكل ما اقتضاه الخطاب. فعلى هذا قلنا بالعموم.

وهكذا يريد القائلون بالعموم: حملَ كل لفظ على ما يقتضي، ولو لم يقتض إلا اثنين من النوع فإن ذلك عموم لهما، لذا فإنهم ينكرون تخصيص ما اقتضاه بلا دليل، أو التوقفَ فيه بلا دليل.

ففي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] يلتزم أرباب الخصوص ألا يحرموا كثيرًا مما نكح الآباء إلا بدليل غير هذه الآية مبينٍ لكل عين في ذاتها.

وفي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: ١٥١] قد يلزم من مذهبهم إلا ينفذوا قتل نفس إلا بدليل.

وقل مثل ذلك في حديث رسول الله عن الربا في الأصناف الستة حيث يقول: "الذهَبُ بالذهَبِ، والفِضةُ بالفِضةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعيرُ بالشعير، والتمْرُ بالتمْرِ، والمِلحُ بالمِلْح، مِثلًا بمثل سواءً بسواءٍ يدًا بيد، فإذا اخْتَلَفَتْ هذه الأصناف فبيعوا كَيْفَ شِئْتمْ إذا كان يدًا بيد" (١).

فمقتضى مذهبهم ألا يعتبر الربا في كل بر، وكل شعير، وكل تمر وكل ملح، وكل ذهب، وكل فضة (٢).

وإذا وقفنا عند قوله : "كلُّ مُسكر حرام" (٣): نرى من لازم مذهبهم عدم حمل التحريم على كل مسكر، بل على أقل ما يمكن


(١) الحديث بهذا اللفظ، أخرجه أحمد من رواية أبي هريرة (٩٦٣٧)، ومسلم من رواية عبادة بن الصامت (١٥٨٧).
(٢) راجع: "الإحكام" لابن حزم (٣/ ١٠٠).
(٣) الحديث رواه أحمد (٤٦٤٤) وأصحاب الكتب الستة: البخاري (٥٥٧٥)، مسلم (٢٠٠٣)، أبو داود، (٣٦٧٩)، الترمذي (١٨٦٤)، ابن ماجه (٣٣٨٧)، والنسائي (٥٥٨٢) و (٥٥٨٥). وراجع: "منتقى الأخبار" (١٨٠٨)، والعزيزي مع "الجامع الصغير" (٣/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>