يستجيزون أن ينسبوا إلى الله تعالى الحكم بما يشهدون أنه كذب؛ فهم لم ينسبوا إلى الله تعالى الحكم بأن التأفيف يتناول الضرب وغيره، وإنما فهموا أن نهيه عن التأفيف يستلزم النهي عن الإيذاء، أيًا كان ذلك الإيذاء.
هذا: ولعل في الكلام عن هذه الآية الكريمة غناء عن الوقوف مع ابن حزم في كل جزئية من الجزئيات التي أوردها حول الموضوع، فالمحور واحد وألوان الهجوم والرد متشابهة.
[الرأي الذي نرتضيه]
والذي نراه أن القول بمفهوم الموافقة (دلالة النص) سواء اعتبر قياسًا جليًا أو لم يعتبر، هو من مفاخر هذه الشريعة في تفسير النصوص واستنباط ما يمكن أن تدل عليه من أحكام في غير المنطوق.
وهذا يدل بلا ريب: على أن علماءنا قد أوتوا من الإدراك لأسرار هذه الشريعة، ومدلول الخطاب في لغتها، ما جعلهم ينطلقون من حدود اللفظ المجرد، إلى ما يمكن أن يفهم منه بروحه وفحواه عن طريق الذوق الفقهي السليم، في حدود اللغة التي نزل بها الكتاب الكريم، وفي ذلك ما فيه من دفع الحرج والإسهام في إعطاء أحكام لما قد يجدُّ من حوادث - في ظل المجتمع الإسلامي - لا تتناهى مع الزمن.
بل إن الحنفية اعتبروا هذه الطريق من الدلالة، دلالة بظاهر اللفظ، شأنها شأن العبارة والإشارة. . .
وإن أعلام القانون اليوم - نتيجة للتطور الحقوقي - يرون في مفهوم الموافقة - كما سيأتي - طريقًا بيِّنة من طرق تفسير النصوص.
فاتجاه الجمهور الذي تنكَّبه ابن حزم، هو المتساوق مع طبيعة لغتنا، وما كان يدركه العربي من الخطاب. وإن من الخروج على أساليب لغة التنزيل في التعبير عن مدلولاتها: نفيَ هذه الطريق في الدلالة وعدم اعتبارها سبيلًا يفيد الحكم في المسكوت عنه مما وراء الألفاظ.
فالعرب إنما وضعوا هذه الألفاظ للمبالغة في التأكيد للحكم في محل المسكوت، واعتبروها أفصح من التصريح بالحكم في محل المسكوت. .