للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الآمدي في "الإحكام": (ولهذا فإنهم - يعني العرب - إذا قصدوا المبالغة في كون أحد الفرسين سابقًا للآخر قالوا: "هذا الفرس لا يلحق غبار هذا الفرس" وكان ذلك عندهم أبلغ من قولهم: "هذا الفرس سابق لهذا الفرس"، وكذلك إذا قالوا: "فلان يأسف لشم رائحة مطبخه" فإنه أفصح عندهم وأبلغ من قولهم: "فلان لا يُطعم ولا يسقي") (١).

وحسبنا أن نقرر أنه لو قال والد لولده: لا تعط زيدًا حبة، ولا تقل له أُف، ولا تظلمه بذرة، ولا تعبس في وجهه، فإن الذي يتبادر إلى الفهم عند كل عارف باللغة امتناع إعطاء ما فوق الحبة وامتناع الشتم والضرب، وامتناع الظلم بالدينار وما زاد، وامتناع أذيته بما فوق التعبيس من هجر الكلام وغيره.

ولو حلف إنسان لا يأكل لفلان لقمة ولا يشرب من مائه جرعة، كان ذلك موجبًا لامتناعه من أكل ما زاد على اللقمة كالرغيف، وشرب ما زاد على الجرعة. . . ونظائر ذلك كثيرة (٢).

وأصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وهم أهل اللسان والفاهمون في ظل البيان فهموا - كما يقول الآمدي - من قول النبي في شأن اللقطة: "إعرف وكاءها وعِفاصها" (٣) حفظ ما التقط من الدنانير


(١) انظر: "الأحكام" للآمدي (٣/ ٩٧).
(٢) المصدر السابق (٣/ ٩٦) فما بعدها.
(٣) أخرج أحمد (١٧١٧٢) والأئمة الستة عدا النسائي. البخاري (٢٤٢٨)، مسلم (٤٤٧٩)، أبو داود (١٧٠٦)، الترمذي (١٣٧٣)، ابن ماجه (٢٥٠٧) عن زيد بن خالد الجهني قال: سئل رسول الله عن لُقَطَة الذهب والورق، فقال: "اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرّفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر، فأدّها إليه. . ." الحديث، ولم يقل فيه أحمد: "الذهب والورق". انظر: "فتح الباري" للحافظ مع "الجامع الصحيح" للبخاري: (٢٤٢٨) "منتقى الأخبار مع نيل الأوطار" (٥/ ٣٥٧ - ٣٥٨) و "الوكاء" بكسر الواو والمد: الخيط الذي يُشد به الوعاء الذي تكون فيه النفقة. و "العفاص" بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء، وبعد الألف صاد مهملة: الوعاء الذي تكون فيه النفقة، جلدًا كان أو غيره. وانظر اللُّقطة وأحكامها: "الهداية" مع "فتح القدير والعناية" (٤/ ٤٢٣) فما بعدها، "نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" (٥/ ٣٥٦ - ٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>