للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا حفظ الوكاء والعفاص فحسب (١).

بل لقد روي عن بعض الصحابة استخدام هذا المفهوم، للدلالة على الحكم في أوسع مما ذكرناه.

فقد أخرج الترمذي في الجامع الصحيح أن أبا سعيد الخدري (٢) قرأ قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ [الحجرات: ٧] وقال: هذا نبيكم يوحى إليه وخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا فكيف بكم اليوم (٣)؟ وواضح أن قوله: "فكيف بكم اليوم"، يعطي الكثير مما نريد.

وهكذا تتبين سلامة ما ذهب إليه الجمهور، فلقد سلكوا الجادة ولم يتنكبوا طريق الصواب.

ورحم الله الإمام الظاهري لقد خاف من القول بمفهوم الموافقة الوقوع في القول بالقياس - وهو على رأس نفاته من الظاهرية بعد داود - الظاهري الذي كان يقول به، مع أن هذا الطريق من طرق الدلالة على الحكم قال به - كما ذكرنا من قبل - الإمامية هم من نفاة القياس، حيث يرفضونه ولا يرون الاحتجاج به، إذ ليس مفهوم الموافقة الذي جعله الإمام الشافعي من القياس الجلي قياسًا عندهم.

على أنا بعد ذلك كله: معاذ الله أن نعتقد أن أبا محمد قد أُتي من قبل اللغة نفسها - وهو من هو معرفة بها وقدرة مشهودة في التعبير - ولكن مردَّ


(١) ومما ذكره الآمدي أنهم فهموا من قوله في الغنيمة: "أدُّوا الخيط والمخيط" أداء الرحال وغيرها. ومن قوله: "مَن سرق عصا مسلم فعليه ردها" رد ما زاد على ذلك. "الإحكام" (٣/ ٩٦).
(٢) هو الصحابي سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد الخدري. مشهور بكنيته روى عن النبي الكثير، كما روى عن عدد من الصحابة، وهو من أفقه أحداثهم اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته. فنقل ابن حجر عن الواقدي أن ذلك كان سنة أربع وسبعين، وقيل أربع وستين، وقال المدائني: مات سنة ثلاث وستين، وقال العسكري: مات سنة خمس وستين.
(٣) "جامع الترمذي - السنن" (١٢/ ١٥٤ - ١٥٥) (٣٢٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>