للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه أيضًا حَكَمة (١) الفرس، سميت بذلك لأنها تذللها لراكبها حتى تمنعها من الجِماح. وفي "النهاية" لابن الأثير من حديث ابن عباس: "قرأت المحكَم على عهد رسول الله " يريد المفصَّل من القرآن؛ لأنه لم ينسخ منه شيء (٢).

قال السرخسي: (فالمحكَم ممتنع من احتمال التأويل، ومن أن يرد عليه النسخ، ولهذا سمّى الله تعالى المحكمات: أمَّ الكتاب، أي الأصل الذي يكون المرجع إليه، بمنزلة الأم للولد، فإنه يُرجع إليها) (٣).

فالمحكَم، لا يحتمل التأويل بإرادة معنًى آخر، إن كان خاصًّا، ولا التخصيص بإرادة معنًى خاص، إن كان عامًا؛ لأنه مفصَّل ومفسَّر تفسيرًا، لا يتطرق معه أيُّ احتمال.

أما النسخ: فإنه لا يحتمله في حياة النبي - التي هي حِقبة التنزيل وعهد الرسالة - ولا بعدها.

ويبدو الإحكام في حالتين:

[أولاهما]

أ - أن يكون الحكم الذي دلّ عليه اللفظ: حكمًا أساسيًا من قواعد الدين؛ كالإيمان بالله تعالى ووحدانيته، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإخبار بما كان أو يكون.

ب - أو أن يكون ذلك الحكم: من أمهات الفاضل، وقواعد الأخلاق التي يقرها العقل السليم، والتي لا تختلف باختلاف الأحوال؛ كالعدل، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والوفاء بالعهد.

الثانية: أن يكون ذلك المدلول حكمًا جزئيًا، ولكن وقع التصريح بتأييده ودوامه.


(١) الحَكمة: بفتح الحاء والكاف: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه، تمنعه من مخالفة راكبه.
(٢) راجع: "النهاية" (١/ ٢٦٤).
(٣) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ١٦٥) قالوا: وسميت مكة أم القرى لأن الناس يرجعون إليها في الحج وفي آخر الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>