والذي نراه أن هذا التفريق من إمام الحرمين - وإن كان لا يترتب عليه كبير أثر في الأحكام - فإنه منقوض بما أثبته الجمهور من أن العرب فيما نقله أئمة اللغة كأبي عبيد والشافعي، لم يفرقوا بين وصف مناسب وغير مناسب، وإمام الحرمين ﵀ يقر التفريق مع نقله عن الإمام الشافعي - وهو مَن هو في اللغة ومعرفة أساليبها في الخطاب - القول بمفهوم الصفة دون تفريق بين أن يكون الوصف في الحكم مناسبًا، أو غير مناسب.
وإذا كان الباعث لإمام الحرمين على هذا الاتجاه: هو الحيطة والمنطق، فإن في شروط الأخذ بمفهوم المخالفة غناءً وأيَّ غناء.
ولعل من الخير أن نثبت هنا ما ذكره الجويني نفسه عن الإمام الشافعي حول مفهوم الصفة، ففيه القول الفصل لترجيح ما ذهب إليه الجمهور من الأخذ بهذا النوع من طرق الدلالة، الذي هو متسق مع ما تقتضيه مفهومات اللغة، خصوصًا وأن الأخذ به، لا يكون إلا في إطار الشروط التي اعتبرها العلماء لمفهوم المخالفة.
جاء في "البرهان" نقلًا عن الشافعي ﵀ (إذا خصص الشارع موصوفًا بالذكر: فلا شك أنه لا يُحمل تخصيصه على وفاق من غير انتحاء قصد التخصيص، وإجراء الكلام من غير تجريد القصد إليه: يزري بأوساط الناس، فكيف ذلك بسيد الخليفة؟ فإذا تبين أنه إذا خصص فقد قصد إلى التخصيص، فينبغي على ذلك أن قصد الرسول ﷺ بيان الشرع، ينبغي أن يكون محمولًا على غرض صحيح، إذ المقصود العريُّ عن الأغراض الصحيحة، لا يليق بمنصب رسول الله ﷺ؛ فإذا ثبت القصد واستدعاؤه غرضًا، فليكن ذلك الغرض آيلًا إلى مقتضى الشرع، وإذا كان كذلك، وقد انحسمت جهات الاحتمالات في إفادة التخصيص انحصر القول في أن تخصيص الشيء الموصوف بالذكر، يدل على أن العاريَ عنها، حكمه بخلاف حكم المنصف بها. والذي يعضد ذلك من طريق التمثيل: أن الرجل إذا قال: السودان إذا عطشوا لم يروهم إلا الماء، عُدَّ ذلك من ركبك الكلام