للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف ابن حزم من هذه النصوص]

ذكر ابن حزم من نصوص القائلين بأن الأمر بعد الحظر للإباحة قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] وقوله: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] وقوله : "كنت نهيتكم من زيارة القبور فزوروها" (١) "وعن الانتباذ في الظروف فانتبذوا" (٢) وقوله تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧].

وإذا كان القائلون بالوجوب بعد الحظر، قد أرجعوا دلالة الأمر على الإباحة في هذه النصوص وغيرها إلى قرائن أخرى، فإن ابن حزم أوضح أن بعضها قامت الإباحة فيه على الدليل، وبعضها لم يسلّم مع الآخرين أن الأمر فيه للإباحة، وإنما هو للوجوب. وأبو محمد يسلم بغير الوجوب إذا قام عليه الدليل، ولكنه ينكر العدول عن البرهان إلى الهوى والرأي الفاسد: قال في "الإحكام": (وأما الأوامر التي ذكرنا من قبل فإن دلائل النصوص قد صحت على أنها ندب، ونحن لا نأبى الإقرار بما أتى به نص، بل نبادر إلى قبوله، وإنما ننكر الحكم بالآراء الفاسدة والأهواء الزائفة بغير برهان من الله ﷿.

فقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] يرى ابن حزم أن الذي أفهمنا دلالة الأمر على الإباحة في هذه الآية هو فعل الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فإن رسول الله حل من عمرته ومن حجه، ولم يصطد؛ فعلمنا أنه ندب وإباحة.

أما في قوله جلَّ ثناؤه: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠] فقد فسر ابن حزم الأمر بما صح عن النبي : "أن


(١) انظر ما سلف (٢/ ٢٩٩).
(٢) روى الإمام أحمد عن عائشة (٢٥٥٤٤) قال: نهى رسول الله عن النبيذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت ثم قال بعد ذلك: "ألا كنت نهيتكم عن النبيذ في الأوعية فاشربوا فيما شئتم ولا تشربوا مسكرًا من شاء أوكي سقاءه على إثم" ومثله عن أنس. وانظر للكلام عن المذاهب في الانتباذ. "نيل الأوطار" للشوكاني (٨/ ١٩٤) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>