للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما ترتب على الاختلاف بين الحنفية وغيرهم]

وهكذا نرى مما سبق: أن المنهي عنه لوصفه، هو عند الجمهور كالمنهي عنه لذاته وحقيقته؛ فيقع من المكلف باطلًا غير مشروع، إلا إذا دل الدليل على أن النهي كان لأمر مجاور، كالبيع وقت النداء يوم الجمعة.

وأما عند الحنفية: فهو صحيح بأصله دون وصفه، ويطلقون عليه اسم الفاسد، إلا إذا دل الدليل على أن النهي كان لذات المنهي عنه حقيقة، كبيع الجنين في بطن أمه.

وبناءً على ذلك، لم يكن لدى الجمهور فرق بين الفساد والبطلان؛ فهما مترادفان، إذ كل منهما يدل على أن الفعل المنهي عنه وقع على خلاف ما طُلب من المكلف، فلم يعتبره الشارع، ولم يرتب عليه الأثر الذي يرتبه على نظيره المشروع.

وهكذا يطلقونهما ويريدون بهما معنى واحدًا، وهو في العبادات: عدم سقوط القضاء بالفعل، وفي عقود المعاملات: تخلف الأحكام عنها، وخروجها عن كونها أسبابًا مفيدة للأحكام. وذلك على مقابلة الصحة التي تدل على أن الفعل وقع من المكلف على وفق ما طلب الشارع، رتب عليه آثاره المقصودة منه. وهي في العبادات: كون الفعل مسقطًا للقضاء، وفي عقود المعاملات: كون العقد سببًا لترتب ثمراته المطلوبة شرعًا عليه، كما في ترتب الملك على البيع (١).

أما الحنفية: فقد فرقوا بين البطلان والفساد، وجعلوا كلًا منهما لمعنى.

فالبطلان هو وقوع العمل مخالفًا لأمر الشارع في أصله ووصفه، ومعنى ذلك أن العمل وقع معيبًا في ذاته، ولم يرتب الشارع عليه أثرًا لذلك.

والفساد وقوع العمل مخالفًا لأمر الشارع في وصفه دون أصله، ومعنى ذلك أن العمل وقع سليمًا من ناحية ذاته، وأصابه العيب الذي نهى عنه الشارع لأجله من ناحية وصفه المتصل به.


(١) راجع: "الإحكام" للآمدي (١/ ١٨٦)، "مختصر المنتهى" مع "شرحه للعضد" و"حاشية التفتازاني" (٢/ ٩٨ - ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>