للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمكن الانتهاء عن أشياء كثيرة في حال واحدة (١).

هذا وقد سار ابن حزم من قبل في هذه الطريق، فقرر أن ترك المرء أفعالًا كثيرة في وقت واحد موجود واجب، وفعلُه بخلاف ذلك، بل إن المرء في حال نومه وأكله وصلاته ونظره في أسبابه: تارك لكل ما نهي عن تركه إن أراد الترك، وليس الأمر كذلك، بل لا يقدر على أداء أكثر الأوامر في الأحوال التي ذكرنا.

وإذا كان النهي أمرًا بالترك: فإن الترك ممكن لكل أحد، وليس يمتنع الترك على مخلوق. أما الفعل: فهو بخلاف ذلك؛ فمنه الممكن ومنه ما لا يقدر عليه (٢).

الشبهة الثالثة: أن أوامر الشارع في الصوم والصلاة والزكاة، حملت على التكوير، فدل ذلك على أن الأمر موضوع له.

وأجيب من ذلك بأن التكرار إنما استفيد من أدلة أخرى لا من ظاهر الأمر، وإلا كان ما حمل من الأوامر على المرة الواحدة؛ كالحج ونحوه مستفادًا من ظاهر الأمر، ويلزم من ذلك إما التناقض، أو اعتقاد الظهور في أحد الأمرين دون الآخر من غير أولوية، وهو محال.

وقد حمل الأمر في الحج على المرة الواحدة، وإذن فليدلَّ على أنه موضوع له، فإن كان هذا الأمر بالدليل، كما هو واضح في حديث الأقرع بن حابس، فكذلك الأوامر الأخرى بالصلاة والزكاة والصوم، حملت على التكرار بأدلة وقرائن (٣).

[الزنجاني ونسبة المذهب إلى الشافعي نفسه]

مر بنا عند الحديث عن مذهب اقتضاء الأمر للتكرار، أن ممن قال به أبو إسحاق الشيرازي وأبو إسحاق الإسفراييني، وجماعة من الفقهاء


(١) راجع: "الإحكام" للآمدي (٢/ ٢٣١).
(٢) راجع: "الإحكام" لابن حزم (٣/ ٧٣) فما بعدها.
(٣) راجع: "المستصفى" (٢/ ٧)، "الإحكام" للآمدي (٢/ ٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>