للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يرد على ذلك: أن هناك مناهي شرعية وعرفية قد أخذت حالة الدوام؛ كعدم الزنى والسرقة، وسائر الفواحش مطلقًا؛ فهذا الدوام إنما عرف بأدلة أفادت علمًا ضروريًا، بأن الشرع يريد عدمها على الدوام وفي كل حال، لا بمجرد صيغة النهي.

فالأدلة هي التي أفادت العلم الضروري هنا، لا مجرد صيغة النهي. قال الغزالي: (وهذا كما أنا نوجب الإيمان دائمًا لا بمجرد قوله: ﴿آمَنُوا﴾ لكن الأدلة دلت على أن دوام الإيمان مقصود) (١).

الثالث: أنا نفرق - ولعله الأصح - بين الأمر والنهي؛ فالأمر لا يدل على أن المأمور ينبغي أن يوجد مطلقًا، والنهي يدل على أن المنهي عنه ينبغي أن لا يوجد مطلقًا.

والنفي المطلق يعم، والوجود المطلق لا يعم؛ فكل ما وجد مرة فقد وجد مطلقًا، وما انتفى مرة فما انتفى مطلقًا، ومثَّل الإمام الغزالي لهذا بمن قال في اليمين: لأفعلن؛ فإنه يبرَّ بمرة، ومن قال: لأصومن؛ صدق وعده بمرة. ومن قال: لا أصوم كان كاذبًا بصيام مرة (٢).

أما الآمدي: فقد فرق بينهما؛ بأن من أمر غيره أن يضرب، فقد أمره بإيقاع مصدر الأمر وهو الضرب، فإذا ضرب مرة واحدة يصبح أن يقال: وجد الضرب، وإذا قال له: لا تضرب، فمقتضاه عدم إيقاع الضرب، فإذا انتهى في بعض الأوقات دون البعض، يصح أن يقال: لم يعدم الضرب.

ومن جهة أخرى: فإن حمل الأمر على التكرار: مما يفضي إلى تعطيل الأشغال كلها، مما ينتج عنه توقف الحوائج المهمة.

كما أنه يفضي كذلك إلى امتناع الإتيان بالمأمورات التي لا يمكن اجتماعها، بينما نرى أن حمل النهي على التكرار، لا يفضي إلى ذلك؛ إذ


(١) راجع: "المستصفى" للغزالي (٢/ ٥ - ٦) مع "مسلم الثبوت"، "إرشاد الفحول" (ص ٩٢).
(٢) راجع: "المستصفى" (٢/ ٦ - ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>