للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشبهة الأولى: أن قوله تعالى: ﴿اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥] يعم كل مشرك فقوله: "صم وصل" ينبغي أن يعم جميع الأزمان لأن إضافته إلى جميع الأزمان واحد كإضافة لفظ المشرك إلى جميع الأشخاص.

وأنت ترى أنهم يريدون أن يجعلوا من قوله: "صم وصل" نظيرًا لقوله: ﴿اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ من ناحية شمول جميع الأزمان في الثاني، مقابلَ شمول كل مشرك في الأول.

ولم يرتض الإمام الغزالي ومن تابعه هذا التنظير، فقرروا أنه عند تسليم صيغة العموم؛ فليس "صم وصل" نظيرًا لقوله: ﴿اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ بل نظيره أن يقال: "صم الأيام" و "صل في الأوقات" أما مجرد قوله: "صم": فلا يتعرض للزمان لا بعموم، ولا بخصوص، لكن الزمان من ضرورته كالمكان، ولا يجب عموم الأماكن بالفعل، وإن كان نسبة الفعل إلى كل مكان على وتيرة واحدة وكذلك الزمان (١).

الشبهة الثانية: أنهم أرادوا أن يقيسوا الأمر في قوله: "صم" على النهي في قوله: "لا تصم" فكما أن موجب النهي ترك الصوم أبدًا؛ فليكن موجب الأمر فعل الصوم أبدًا.

وهذا مردود من عدة أوجه:

أولها: أن هذا قياس في اللغات وهو باطل لأنها تثبت بالتوقيف (٢).

الثاني: غير مسلم أن لزوم الانتهاء مطلقًا كان بمجرد اللفظ.

بل لو قيل للصائم: لا تصم، يجوز أن يقول: نهاني عن صوم هذا اليوم أو عن الصوم أبدًا؟ فيستفسر، بل التصريح أن يقول: لا تصم أبدًا، ولا تصم يومًا واحدًا، فإذا اقتصر على قوله: "لا تصم"، فأنهى يومًا واحدًا جاز أن يقال: قضى حق النهي.


(١) انظر: "المستصفى" (٢/ ٥) "الإحكام" للآمدي (٢/ ٢٣١)، "مختصر المنتهى بشرح العضد وحاشية السعد" (٢/ ٨٢).
(٢) انظر: "الإحكام" للآمدي (٢/ ٢٣١)، "مختصر المنتهى بشرح العضد وحاشية السعد" (٢/ ٨٢)، "إرشاد الفصول" (ص ٩٢) السعادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>