للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي الأمثلة السابقة على رأي الجمهور تكون دلالة الجملة في: "إن الله وضع عن أمتي .... " على كلمة (حكم) أو (إثم) من قبيل دلالة الاقتضاء. ومثل ذلك دلالة (وأسأل القرية) على (الأهل)، ودلالة الأمر بالتحرير على (التملُّك).

[موقف الدبوسي]

والقاضي الإمام أبو زيد الدبوسي في "تقويمه" تابع المتقدمين وجعل ما وجب تقديره لصدق الكلام، وما وجب لصحته عقلًا أو شرعًا، قسمًا واحدًا فقال: (المقتضى زيادة على النص لم يتحقق معنى النص بدونها فاقتضاها النص ليتحقق معناه ولا يلغو).

فأدخل المحذوف في هذا التعريف. ومثّل لذلك بقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ وقال: (أي أهلَها اقتضاء لأن السؤال للتبيُّن فاقتضى موجَب هذا الكلام أن يكون المسؤول من أهل البيان ليفيد، فثبت الأهل اقتضاءً ليفيد) كما أتى أبو زيد بحديث الخطأ والنسيان، وحديث "الأعمال بالنيات" (١) وأبان أن المراد حكم الأعمال، فإن عينها تثبت بلا نية (٢).

[موقف المتأخرين بعد الدبوسي]

غير أن فخر الإسلام البزدوي، وشمس الأئمة السرخسي، ومن تابعهما أطلقوا اسم "المقتضى" على ما أضمر لصحة الكلام شرعًا، وجعلوا ما وراء ذلك قسمًا واحدًا سمُّوه "محذوفًا" أو مضمرًا.


(١) هذا جزء من حديث عمر بن الخطاب المشهور، وقد أورده بهذا اللفظ الدبوسي والسرخسي وغيرهما، ولكن حول الرواية بجمع "النيات" كلام للمحدثين، ونص الحديث - كما رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة - عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله يقول: "إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" وانظر: "المسند" (١٦٨)، البخاري (٥٤)، مسلم (١٩٠٧)، أبو داود (٢٢٠١)، الترمذي (١٦٤٧)، ابن ماجه (٤٢٢٧)، النسائي (٧٥) و (٣٤٣٧).
وراجع: "منتقى الأخبار" للمجد بن تيمية مع "نيل الأوطار" للشوكاني (١/ ١٤٧ - ١٤٩).
(٢) راجع: "تقويم الأدلة" (٢٤٤) مخطوط دار الكتب المصرية، "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (٢/ ٥٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>