للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطبري: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ فرض عليكم (١).

وإذا تأملنا النص الثاني من سورة النساء: وجدناه يدل بالإشارة على أن لا قصاص على القاتل المعتدي؛ لأن الله تعالى جعل جزاءه الخلود في جهنم وغضب عليه وأعدّ له العذاب العظيم. وقد اقتصر على ذلك في مقام البيان، والاقتصار في مقام البيان - كما قالوا - يفيد الحصر.

وعليه فالقاتل المعتدي ليس له جزاء في الدنيا، وإنما جزاؤه أخروي وهو الخلود في جهنم، إذ إن الاقتصار على الجزاء الأخروي في مقام البيان، استلزم أنه لا جزاء عليه في الدنيا.

فيقدم الحكم الثابت بالعبارة على ما ثبت بالإشارة، ويكون القصاص واجبًا على القاتل المعتدي، وهو ذلك القاتل عمدًا بغير حق (٢).

[رأينا في هذا المثال]

على أن لنا أن نعفي أنفسنا من هذا المثال، فتقرر في هذه المسألة أن الله بعد أن ذكر حكم من قتل المسلم خطأ في قوله جلّ ذكره: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (٩٢)[النساء: ٩٢] ذكر في الآية التي تليها حكم من قتله عامدًا واقتصر على ذكر عقوبته في الدار الآخرة؛ لأنه ذكر عقوبته في الدنيا - وهي القصاص - في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾ [البقرة: ١٧٨].

وهكذا يتحصّل لدينا: أن الله أوجب القصاص في القتل العمد في آية


(١) راجع: الطبري في "جامع البيان" (٣/ ١٧٨) وانظر هناك حدود هذا الفرض في معنى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾.
(٢) راجع: "دلالات الكتاب والسنة على الأحكام الشرعية" لزكي الدين شعبان (ص ٣٤)، "أصول الفقه" لأستاذنا أبي زهرة (ص ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>