للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البقرة ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ وأوجب الدية والكفارة في القتل الخطأ في قوله: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً … ﴾ الآية.

فعُلم أن الذي وجب فيه القصاص هو القتل العمد، وكان من شدة هول الجريمة: أن أضاف الله إلى العقوبة الدنيوية - وهي قتل القاتل قصاصًا - عقوبة أخروية، هي الغضب الإلهي، والخلود في جهنم والعذاب العظيم.

وإني لأخشى أن نتجنى على مقصد الشارع في حفظ الأنفس، حين نحوِّل آية الجزاء الأخروي بما فيها من التهديد والإبعاد، والإبراق والإرعاد - كما قال الزمخشري - إلى أنها تعطي بـ (إشارة النص) عدم عقوبة القاتل في الدنيا.

فهي - كما يدرك بملاحظة النصوص مجتمعة - لم تُسق للعقوبة الدنيوية، ولكن سيقت لبيان فداحة الأمر في قتل المؤمن، وجاءت بعقوبة أخروية تضاف إلى ما جاءت به سورة البقرة من العقوبة الدنيوية ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ تلك العقوبة التي تنظم أمور المجتمع، وتحفظ على الأفراد والجماعات حياتهم مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)[البقرة] (١).

ولقد جاءت السنّة بالتهويل من أمر تلك الجريمة في أحاديث كثيرة: من ذلك ما رواه ابن عمر: أن رسول الله قال: "لَزوالُ الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم" (٢).

ومهما يكن من أمر، فإن الآية تعد قتل المؤمن من الكبائر، بل لقد حصل الخلاف في قبول توبة القاتل. والمروي عن ابن عباس أنه لا توبة له؛ فقد أخرج ابن جرير الطبري عن سالم بن أبي الجعد قال: "كنا عند ابن عباس بعدما كُفَّ بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس، ما ترى في


(١) راجع: "الكشاف" للزمخشري (١/ ٤٢٧) "تفسير آيات الأحكام" للسايس وإخوانه (٢/ ١٢١ - ١٢٥).
(٢) أخرجه الترمذي (١٣٩٥) والنسائي (٣٩٨٦) و (٣٩٨٧). وروى الزمخشري في "الكشاف" أن رسول الله قال: "إن هذا الإنسان بنيان الله، ملعون مَن هدم بنيانه" (١/ ٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>