للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل قتل مؤمنًا متعمدًا؟ فقال: جزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا. قال: أفرأيت إن تاب، وآمن وعمل صالحًا، ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه، وأنَّى له التوبة والهدى؟ فوالذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم يقول: "ثكلته أُمه: رجل قتل رجلًا متعمدًا جاء يوم القيامة أخذًا بيمينه أو بشماله، تشخب أوداجه دمًا في قِبَل عرش الرحمن يلزم قاتله بيده الأخرى يقول: سل هذا فيمَ قتلني؟ " والذي نفس عبد الله بيده لقد أُنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم ، وما نزل بعدها من برهان" (١).

٢ - ومن الأمثلة التي يوردونها للتعارض بين العبارة والإشارة قوله تعالى في آية الرضاعة من سورة البقرة: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣].

فهذا النص يدل بالإشارة - فيما يدل عليه من أحكام مرّ بعضها آنفًا - أن الأب مقدّم في حق الإنفاق من مال الابن على مَن سواء ممن لهم حق النفقة من الأقرباء بما في ذلك الأم، فإذا كان الولد لا يستطيع النفقة عليهما، بل على واحد منهما، قُدم الأب على الأم، لأن الأب عندما وجبت عليه وحده النفقة على الابن كان ذلك الأب مقدّمًا على غيره عند الحاجة إلى النفقة.

ولكن هذا الحكم الثابت بالإشارة معارض بما روى أبو هريرة أن رجلًا جاء إلى النبي فقال: مَن أحق الناس بحُسن صحابتي يا رسول الله؟ فقال : "أمك" قال: ثم مَن؟ قال: "أُمك" قال: ثم مَن؟ قال: "أُمك" قال: ثم مَن؟ قال: "أبوك" (٢).


(١) راجع: "تفسير الطبري" (٩/ ٦٣)، "تفسير ابن كثير" (١/ ٥٣٦ - ٥٣٧)، "تفسير آيات الأحكام" بإشراف السايس (٢/ ١٢٦).
(٢) رواه البخاري (٥٩٧١) ومسلم ((٦٤٤٧) وابن ماجه (٢٧٠٦). وفي رواية: يا رسول الله مَن أحق الناس بحُسن الصحبة؟ قال: "أُمك ثم أُمك، ثم أباك ثم أدناك ثم أدناك" قال الإمام النووي: ("ثم أباك" هكذا منصوب بفعل محذوف، أي ثم بُرّ أباك)، وانظر: "جامع الأصول" لابن الأثير (١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>