للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسلك الإمام ابن حزم]

وقد أتى ابن حزم بعدد من هذه الأحكام في جملة أحكام أخرى تطبيقًا على القاعدة المذكورة، من اقتضاء النهي الفساد في المنهي عنه مطلقًا. فبعد أن قرر القاعدة - كما أسلفنا من قبل - وأبان أن الإتيان بالمنهي عنه معصية، والمعصية لا تنوب عن الطاعة، ذكر الصلاة بثوب نجس ممن يعلم ذلك، ويعلم أنه لا يجوز له ذلك الفعل، والصلاة في مكان منهي عن الإقامة فيه كمكان نجس، أو مكان مغصوب، أو في عطن الإبل، أو إلى قبر، والذبح بسكين مغصوبة، وذبح حيوان الغير بغير إذن صاحبه، والوضوء بماء مغصوب، أو بآنية فضة، أو بإناء من ذهب.

وبعد تعداد هذه المسائل: قرر أن كل ما مرَّ، لا يتأدَّى فيه فرض (فمن صلى كما ذكرنا: لم يصل ومن توضأ كما ذكرنا: فلم يتوضأ، ومن ذبح كما ذكرنا: فلم يذبح، وهي ميتة لا يحل لأحد أكلها، لا لربها ولا لغيره، وعلى ذابحها ضمان مثلها حية).

وقد علل ابن حزم ما حكم به من البطلان في تلك المسائل: أن فعلها وقع على خلاف أمر الشارع وقد قال : "مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" (١) ثم فصَّل أبو محمد في وقوع تلك الأفعال من المكلف على خلاف أمر الشارع فقال: (وقد نهاه الله تعالى عن استعمال تلك السكين، وعن ذبح حيوان غيره بغير إذن مالكه، وعن الإقامة في المكان المغصوب، وأمر بضرورة الإقامة للصلاة، وبتذكية ما يحل أكله. وبضرورة العقل: علمنا أن المأمور به هو غير العمل المنهي عنه، ولا يتشكل في العقل غير ذلك).

ثم أبان أن تلك المناهي، لو كانت هي المأمورات، لكان الله ﷿ آمرًا بها، ناهيًا عنها، إنسانًا واحدًا، في وقت واحد، في حال واحدة، وهذا مما قد تنزَّه الحكيم عنه في إخباره تعالى أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها (١).


(١) راجع: "الإحكام" لابن حزم (٣/ ٥٩ - ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>