للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرى الجصاص أن قيام الدليل على أن المراد بالآية الزوج، هو الحكَم فيما ورد عن السلف من قول بأنه الزوج، وقول بأنه الولي. ومما قاله في ذلك: (وإذا كان الزوج مرادًا انتفى أن يكون الولي مرادًا بها، لأن السلف تأوّلوه على أحد معنيين: إما الزوج وإما الولي، وإذ قد دللنا على أن الزوج مراد، وجب أن تمتنع إرادة الولي) (١).

[موقف ابن قدامة]

أما ابن قدامة المقدسي: فقد احتجّ لظاهر مذهب أحمد بحديث الدارقطني، ثم قرر أن الزوج، هو الذي يملك قطع النكاح، وفسخه وإمساكه؛ فهو الذي بيده عقدة النكاح. وإذا كان الولي لا يملك هبة، أو إسقاط مهر المرأة - الذي هو مالها كغيره من أموالها وحقوقها - كسائر الأولياء، فالعفو في الآية: هو عفو الزوج عن حقه (٢).

وعلى ما يمكن أن يعترض على اعتبار الذي بيده العقدة هو الزوج، من أن فيه عدولًا عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب، أجاب ابن قدامة بأن هذا العدول غير ممتنع كما في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢] وقوله سبحانه: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ﴾ [النور: ٥٤].

هذا: وقد ذكرنا من قبل، أن هذا الذي احتج له ابن قدامة هو ظاهر مذهب أحمد في رواية الجماعة.

وقد روى عنه ابن منصور: إذا طلق امرأته - وهي بكر - قبل أن يدخل بها فعفا أبوها أو زوجها، ما أرى عفو الأب إلا جائزًا.

غير إن أبا حفص اعتبر ما نقله ابن منصور، قولًا لأبي عبد الله قديمًا. وظاهر هذا القول أن المسألة رواية واحدة، وأن الإمام أحمد قد رجع عن


(١) "أحكام القرآن" للجصاص (١/ ٥٢١ - ٥٢٣).
(٢) "المغني" لابن قدامة (٦/ ٧٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>